و كذلك قوله: (ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا ")، وقوله:
(ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ") فإن مريم كأنها قالت: إني تفكرت في أزمنة وجودي ومثلتها عليه في عيني: (لم أك بغيا) فهو أبلغ في التنزيه، فلا يظن ظان أنها تنفي نفيا كليا "، مع أنها نسيت بعض أزمنة وجودها، وأما هم لما قالوا: (وما كانت أمك بغيا) ما كان يمكنهم أن يقولوا: نحن تصورنا كل زمان من أزمنة وجود أمك، وتنفي عن كل واحد منها كونها بغيا، لأن أحدا " لا يلازم غيره، فيعلم كل زمان من أزمنة وجوده، وإنما قالوا لها: إن أمك اشتهرت عند الكل، حتى حكموا عليها حكما " واحدا " عاما " أنها ما بغت في شئ من أزمنة وجودها.
وكذلك قوله تعالى: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون). وقوله: (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ")، فإنه سبحانه لما قال: (بظلم) كان سبب حسن الهلاك قائما، وأما الظلم فكان يتوقع في كل زمن الهلاك، سواء كانوا غافلين أم لا، لكن الله برحمته يمسك عنهم في كل زمان وافقته غفلتهم. واما قوله: (وأهلها غافلون) وإن جد الظلم لكن لم يبق سببا " مع الإصلاح، فبقي النفي العام بعدم تحقيق المقتضى في كل زمان.
وكذلك قوله: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون)، لأنه لما لم يذكر الظلم لم يتوقع الهلاك، فلم يبق متكررا " في كل زمان.
وكذلك قوله: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا " نعمة " أنعمها أبي على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وقوله: (وما كان الله معذبهم) ذكر عند ذكر النعمة لم يكن إشارة