مقام محذور، لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، [فإن العربية تتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشك أحد في فصاحته]. ولعلهم أرادوا أنه صحيح فصيح، وإن كان غيره أفصح منه، فإنا لا ندعى أن كل ما في القرآن على أرفع الدرجات في الفصاحة.
وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين في كتاب " المجاز " وأورد سؤالا فقال: فإن قلت:
فلم لم يأت القرآن جميعه بالأفصح والأملح؟ وقال فيه إشكال يسر الله حله.
قال القاضي صدر الدين موهوب الجزري رحمه الله: وقد وقع لي حل هذا الإشكال بتوفيق الله تعالى فأقول: البارئ جلت قدرته، له أساليب مختلفة على مجارى تصريف أقداره فإنه كان قادرا على إلجاء المشركين إلى الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " فظلت أعناقهم لها خاضعين)، ولكنه سبحانه أرسل رسوله على أساليب الأسباب والمسببات، وجارى العوائد الواقعة من أهل الزمان، ولذلك تكون حروب الأنبياء سجالا بينهم وبين الكفار، ويبتدئ أمر الأنبياء بأسباب خفيفة، ولا تزال تنمى وتشتد، كل ذلك يدل على أن أساليبهم في الإرسال على ما هو المألوف والمعتاد من أحوال غيرهم.
إذا عرف ذلك كان مجئ القرآن بغير الأفصح والأملح جميعه، لأنه تحداهم بمعارضته على المعتاد فلو وقع على غير المعتاد لكان ذلك نمطا " غير النمط الذي أراده الله عز وجل في الإعجاز.
ولما كان الأمر على ما وصفنا جاء القرآن على نهج إنشائهم روى الخطب والأشعار وغيرها، ليحصل لهم التمكن من المعارضة ثم يعجزوا عنها، فيظهر الفلج بالحجة، لأنهم لو لم يتمكنوا لكان لهم أن يقولوا: قد أتيت بما لا قدرة لنا عليه، فكما لا يصح من أعمى معارضة المبصر