الفريقين: أنه هل يجوز في القرآن شئ لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز، فلهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله.
وعندنا لا يجوز ذلك، بل الراسخون يعلمونه.
قلت: وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول، بل التغاير إنما يكون في الألفاظ، واستعمال المجاز لغة العرب. وإنما قلنا لا تغاير بينهما في الأصول لما علم بالدليل أن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا، ولو تصور كذب العقل في شئ لتصور كذبه في صدق الشرع، فمن طالت ممارسته العلوم، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما، لكنه لا يخلو من أحد أمرين، إما تأويل يبعد عن الأفهام، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة، والطمع في تلفيق كل ما يرد مستحيل (1) المرام، والمرد إلى قوله: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (2).
ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين، حاكين كلامهم.
فمن ذلك صفة الاستواء، فحكى مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن استوى (3) بمعنى استقر، وهذا إن صح يحتاج إلى تأويل، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم.
وعن المعتزلة بمعنى (استولى وقهر)، ورد بوجهين: