صلى الله عليه وسلم لم يعلم المتشابه، فإذا جاز أن يعرفه الرسول مع قوله: (وما يعلم تأويله إلا الله) جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته، والمفسرون من أمته. ألا ترى أن ابن عباس كان يقول: أنا من الراسخين في العلم، ويقول عند قراءة قوله في أصحاب الكهف: (ما يعلمهم إلا قليل) (1): أنا من أولئك القليل.
وقال مجاهد في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم):
يعلمونه و (يقولون آمنا به)، ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ من المتشابه إلا أن يقولوا: (آمنا) لم يكن لهم فضل على الجاهل: لأن الكل قائلون ذلك، ونحن لم نر المفسرين إلى هذه الغاية توقفوا عن شئ من القرآن فقالوا: هو متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمروه على التفسير، حتى فسروا الحروف المقطعة.
فإن قيل: كيف يجوز في اللغة أن يعلم الراسخون، والله يقول: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به)، وإذا أشركهم في العلم انقطعوا عن قوله: (يقولون) لأنه ليس هنا عطف حتى يوجب للراسخين فعلين!
قلنا: إن (يقولون) هنا في معنى الحال، كأنه قال: (والراسخون في العلم) قائلين آمنا، كما قال الشاعر (2):
الريح تبكي شجوها * والبرق يلمع في غمامه أي لامعا ".
وقيل: المعنى: (يعلمون ويقولون)، فحذف واو العطف، كقوله: (وجوه يومئذ ناضرة) (3)، والمعنى: يقولون: علمنا وآمنا، لأن الإيمان قبل العلم محال