وقال البيهقي في " شعب الإيمان ": هذا إن صح، فإنما أراد - والله أعلم - الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.
وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق:
(أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي!).
وقال في " المدخل ": في هذا الحديث نظر، وإن صح فإنما أراد - والله أعلم: فقد أخطأ الطريق، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة، وفى معرفة ناسخه ومنسوخه وسبب نزوله وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة، الذين شاهدوا تنزيله، وأدوا إلينا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون تبيانا لكتاب الله، قال الله تعالى:
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون).
فما ورد بيانه عن صاحب الشرع، ففيه كفاية عن ذكره من بعده، وما لم يرد عنه بيان ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد.
قال: وقد يكون المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه، فتكون موافقته للصواب - وإن وافقه من حيث لا يعرفه - غير محمودة.
وقال الإمام أبو الحسن الماوردي في نكته: قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره، وامتنع من أن يستنبط به معاني القرآن باجتهاده. ولو صحبتها الشواهد، ولم يعارض شواهدها نص صريح. وهذا عدول عما تعبدنا من معرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه، كما قال تعالى (لعلمه الذين يستنبطونه منهم).