الأولى - قوله تعالى: " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محلة " الخطاب لجميع الأمة: محصر ومخلى. ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة، أي لا تتحللوا من الاحرام حتى ينحر الهدى. والمحل: الموضع الذي يحل فيه ذبحه. فالمحل في حصر العدو عند مالك والشافعي: موضع الحصر، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، قال الله تعالى:
" والهدى معكوفا أن يبلغ محله " (1) [الفتح: 25] قيل: محبوسا إذا كان محصرا ممنوعا من الوصول إلى البيت العتيق. وعند أبي حنيفة محل الهدى في الاحصار: الحرم، لقوله تعالى: " ثم محلها إلى البيت العتيق " (2) [الحج: 33]. وأجيب عن هذا بأن المخاطب به الامن الذي يجد الوصول إلى البيت.
فأما المحصر فخارج من قول الله تعالى: " ثم محلها إلى البيت العتيق " بدليل نحر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هديهم بالحديبية وليست من الحرم. واحتجوا من السنة بحديث ناجية ابن جندب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابعث معي الهدى فأنحره بالحرم. قال: (فكيف تصنع به) قال: أخرجه في الأودية لا يقدرون عليه، فأنطلق به حتى أنحره في الحرم. وأجيب بأن هذا لا يصح، وإنما ينحر حيث حل، اقتداء بفعله عليه السلام بالحديبية، وهو الصحيح الذي رواه الأئمة، ولأن الهدى تابع للمهدي، والمهدي حل بموضعه، فالمهدى أيضا يحل معه.
الثانية - واختلف العلماء على ما قررناه في المحصر هل له أن يحلق أو يحل بشئ من الحل قبل أن ينحر ما استيسر من الهدى، فقال مالك: السنة الثابتة التي لا اختلاف فيها عندنا أنه لا يجوز لاحد أن يأخذ من شعره حتى ينحر هديه، قال الله تعالى: " ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله ". وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا حل المحصر قبل أن ينحر هديه فعليه دم، ويعود حراما كما كان حتى ينحر هديه. وإن أصاب صيدا قبل أن ينحر الهدى فعليه الجزاء. وسواء في ذلك الموسر والمعسر لا يحل أبدا حتى ينحر أو ينحر عنه. قالوا:
وأقل ما يهديه شاة، لا عمياء ولا مقطوعة الاذنين، وليس هذا عندهم موضع صيام. قال أبو عمر: قول الكوفيين فيه ضعف وتناقض، لأنهم لا يجيزون لمحصر بعدو ولا مرض أن يحل