معلوم أن الله عز وجل فاعل ذلك، والمعنى: لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه. وحكى الطبري: أن قوما قرأوا " ولكل وجهة " بإضافة كل إلى وجهة. قال ابن عطية: وخطأها الطبري، وهي متجهة، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع. وقدم قوله " ولكل وجهة " على الامر في قوله: " فاستبقوا الخيرات " للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما. وسلمت الواو في " وجهة " للفرق بين عدة وزنة، لان جهة ظرف، وتلك مصادر. وقال أبو علي: ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم. وذهب قوم إلى أنه اسم وليس بمصدر. وقال غير أبي علي: وإذا أردت المصدر قلت جهة، وقد يقال الجهة في الظرف.
الثالثة - قوله تعالى: " فاستبقوا الخيرات " أي إلى الخيرات، فحذف الحرف، أي بادروا ما أمركم الله عز وجل من استقبال البيت الحرام، وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطاعات بالعموم، فالمراد ما ذكر من الاستقبال لسياق الآي.
والمعنى المراد المبادرة بالصلاة أول وقتها، والله تعالى أعلم. روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره كالذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البيضة). وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله). وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد قوله. وروى الدارقطني أيضا عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الأعمال الصلاة في أول وقتها). وفي حديث ابن مسعود " أول وقتها " بإسقاط " في ". وروي أيضا عن إبراهيم بن عبد الملك عن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله