" وفي أنفسكم أفلا تبصرون " أشار إلى هذا الخطابي رحمه الله تعالى. وسيأتي له مزيد بيان في سورة " والذاريات (1) " إن شاء الله تعالى.
وقد استدل بهذه الآية من قال: إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إلا ما نسخ منها، وهذا كقوله: " ملة أبيكم إبراهيم (2) "، " أن اتبع ملة إبراهيم (3) ". وسيأتي بيانه.
قوله تعالى: " ولقد اصطفيناه في الدنيا " أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس والأصل في " اصطفيناه " اصتفيناه، أبدلت التاء طاء لتناسبها (4) مع الصاد في الاطباق. واللفظ مشتق من الصفوة، ومعناه تخير الأصفى.
قوله تعالى: " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " الصالح في الآخرة هو الفائز. ثم قيل: كيف جاز تقديم " في الآخرة " وهو داخل في الصلة، قال النحاس: فالجواب أنه ليس التقدير إنه لمن الصالحين في الآخرة، فتكون الصلة قد تقدمت، ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال: منها أن يكون المعنى وإنه صالح في الآخرة، ثم حذف. وقيل: " في الآخرة " متعلق بمصدر محذوف، أي صلاحه في الآخرة. والقول الثالث: أن " الصالحين " ليس بمعنى الذين صلحوا، ولكنه اسم قائم بنفسه، كما يقال الرجل والغلام.
قلت: وقول زابع أن المعنى وإنه في عمل الآخرة لمن الصالحين، فالكلام على حذف مضاف. وقال الحسين بن الفضل: في الكلام تقديم وتأخير، مجازه ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين. وروى حجاج بن حجاج - وهو حجاج الأسود، وهو أيضا حجاج الأحول المعروف بزق العسل - قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا، وكما رزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك، وأرض عنا.