بوجههم، ولكن العزيز الجبار أهلكهم بالماء والهواء، مع ما لهاتين المادتين من لطافة وليونة، وما يمثلانه باعتبارهما من الوسائل المهمة المستلزمة لأساسيات حياة الإنسان، فقد أغرقت أمواج وتيارات نهر النيل ذلك الطاغي (فرعون) وجنوده، فيما سلط الله الهواء القارص بأعاصير مدمرة اجتاحت قوم ثمود حتى قطعت دابرهم، فأهلكوا جميعهم.
القرآن الكريم يذكر مشركي مكة بذلك النموذجين ليعرفوا أنفسهم أمام الله تعالى، فإن كان الله قد أهلك تلك الجيوش العظيمة وبما تملك من عناصر القوة بماء وهواء، فهل سيبقى لزمام أمورهم من شئ، وهم أضعف من أولئك! علما بأن البشر أمام الله بكل ما يحملون من قوة فهم سواء، فلا فرق بين ضعيف وقوي..
فأين الخالق من المخلوق!
وإنما اختير قوم " فرعون " و " ثمود " دون بقية الأقوام السالفة كنموذجين للعصاة والضالين، باعتبارهما كانا يمتلكان قدرة وقوة مميزة على بقية الأقوام، وأهل مكة على معرفة بتاريخهما إجمالا.
وتقول الآية التالية: بل الذين كفروا في تكذيب.
فآيات ودلائل الحق ليست بخافية على أحد، ولكن العناد واللجاجة هما اللذان يحجبان عن رؤية طريق الحق والإيمان.
وكأن " بل " تشير إلى أن عناد وتكذيب أهل مكة أشد وأكثر من قوم فرعون وثمود وهم مشغولون دائما بتكذيب الحق وانكاره ويستخدمون كل وسيلة في هذا الطريق، (بلحاظ أن " بل " تستعمل عادة للاضراب: أي للعدول من شئ إلى شئ آخر).
وعليهم أن يعلموا بقدرة الله: والله من ورائهم محيط.
فلا يدل الإمهال على الضعف أو العجز، ولا يعني عدم تعجيل إنزال العقوبة الإلهية بأنهم قد خرجوا عن قدرته جل شأنه.