ثم اختارت الآية التالية " الإنسان " باعتباره أهم مظاهر الخليقة وقالت:
خلق الإنسان من علق.
" العلق " في الأصل الالتصاق بشئ، ولذلك سمي الدم المنعقد المتلاصق، وهكذا الحيوان الذي يلتصق بالجسم لمص الدم، ب " العلق " والنطفة بعد أن تطوي المراحل الجنينية الأولى تتحول إلى قطعة دم متلاصقة هي العلق، وهي مع تفاهتها الظاهرية تعتبر مبدأ خلقة الإنسان، والآية تركز على هذه الظاهرة لتبين قدرة الرب العظيمة على خلق هذا الإنسان العجيب من هذه العلقة التافهة.
وقيل: إن العلق في الآية يعني الطين الذي خلق منه آدم، وهو أيضا مادة متلاصقة، وبديهي أن الرب الذي خلق آدم من طين لازب يستحق كل تمجيد وثناء.
وقيل أيضا: أن العلق يعني " صاحب العلاقة "، وفيه إشارة إلى الروح الاجتماعية للإنسان، والعلاقة الموجودة بين أفراد البشر هي في الواقع أساس تكامل البشر وتطور الحضارات.
وقال آخرون: إن العلق إشارة إلى نطفة الرجل (الحيمن)، وهي تشبه دودة العلق إلى حد كبير، وهذا الموجود المجهري يسبح في ماء النطفة، ويتجه إلى بويضة المرأة في الرحم، ويلقحها ويكون منها النطفة الكاملة للإنسان.
والقرآن الكريم بطرحه هذه المسألة يسجل معجزة علمية أخرى من معاجزه، إذ لم تكن هذه الأمور معروفة أبدا في عصر نزوله.
ومن بين التفاسير الأربعة، يبدو أن التفسير الأول أوضح، وإن كان الجمع بين التفاسير الأربعة ممكن أيضا.
مما تقدم نفهم أن " الإنسان " في الآية هو آدم حسب أحد التفاسير وهو مطلق الإنسان حسب التفاسير الثلاثة الأخرى.
وللتأكيد، تقول الآية مرة أخرى: