كلما جاء وفد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسألون عنه عمه أبا لهب - اعتبارا بكبره وقرابته وأهميته - كان يقول لهم: إنه ساحر، فيرجعون ولا يلقونه، فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبا له وتعسا (1).
من هذه الروايات نفهم بوضوح أن أبا لهب كان يتتبع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غالبا كالظل.
وما كان يرى سبيلا لإيذائه إلا سلكه. وكان يقذعه بأفظع الألفاظ. ومن هنا كان أشد أعداء الرسول والرسالة. ولذلك جاءت هذه السورة لترد على أبي لهب وامرأته بصراحة وقوة (2). إنه الوحيد الذي لم يوقع على ميثاق حماية بني هاشم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووقف في صف الأعداء، واشترك في عهودهم. من كل ما سبق نفهم الوضع الاستثنائي لهذه السورة.
ما أغنى عنه ماله وما كسب، فليس أبا مكان أمواله أن تدرأ عنه العذاب الإلهي سيصلى نارا ذات لهب.
من الآية الأولى نفهم أنه كان ثريا ينفق أمواله في محاربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأبو لهب ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة. وقيل: يصلاها في الدنيا قبل الآخرة. و " لهب " جاءت بصيغة النكرة لتدل على عظمة لهب تلك النار.
لا أبا لهب ولا أي واحد من الكافرين والمنحرفين تغنيه أمواله ومكانته الاجتماعية من عذاب الله، كما يقول سبحانه: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. (3) بل لم تغنه في الدنيا من سوء المصير. حيث جاء في الرواية، أن أبا لهب لم يشترك في بدر، بل ارسل من ينوب عنه. وبعد اندحار المشركين وعودتهم إلى مكة، هرع أبو لهب ليسأل أبا سفيان عن الخبر. فأخبره أبو سفيان بالهزيمة وقال: