تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٩٥
ويراه من الرأي فأشار بعضهم إلى لزوم قتل يوسف وآخرون إلى طرحه أرضا بعيدة لا يستطيع معه العود إلى أبيه واللحوق بأهله فينسى بذلك اسمه ويمحو رسمه فيخلو وجه أبيهم لهم وينبسط حبه وحبائه فيهم.
ثم اتفقوا على ما يقرب من الرأي الثاني وهو ان يلقوه في قعر بئر ليلتقطه بعض السيارة ويذهبوا به إلى بعض البلاد النائية البعيدة فينقطع بذلك خبره ويعفى اثره.
فقوله تعالى: " اقتلوا يوسف " حكاية لاحد الرأيين منهم في امره وفي ذكرهم يوسف وحده وقد ذكروا في مفتتح كلامهم في المؤامرة يوسف وأخاه معا: " ليوسف واخوه أحب إلى أبينا منا " دليل على أنه كان مخصوصا بمزيد حب يعقوب وبلوغ عنايته واهتمامه وان كان اخوه أيضا محبوا بالحب والاكرام من بينهم وكيف لا؟ ويوسف هو الذي رأى الرؤيا وبشر بأخص العنايات الإلهية والكرامات الغيبية وقد كان اكبرهما والخطر المتوجه من قبله إليهم أقرب مما من قبل أخيه ولعل في ذكر الأخوين معا إشارة إلى حب يعقوب لامهما الموجب لحبه بالطبع لهما وتهييج حسد الاخوة وغيظهم وحقدهم بالنسبة إليهما.
وقوله: " أو اطرحوه أرضا " حكاية رأيهم الثاني فيه والمعنى صيروه أو غربوه في ارض لا يقدر معه على العود إلى بيت أبيه فيكون كالمقتول ينقطع اثره ويستراح من خطره كالقائه في بئر أو تغريبه إلى مكان ناء ونظير ذلك.
والدليل عليه تنكير ارض ولفظ الطرح الذي يستعمل في القاء الانسان المتاع أو الأثاث الذي يستغنى عنه ولا ينتفع به للاعراض عنه.
وفي نسبة الرأيين بالترديد إليهم دليل على أن مجموع الرأيين كان هو المرضي عند أكثر الاخوة حتى قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف الخ.
وقوله: " يخل لكم وجه أبيكم " أي افعلوا به أحد الامرين حتى يخلو لكم وجه أبيكم وهو كناية عن خلوص حبه لهم بارتفاع المانع الذي يجلب الحب والعطف إلى نفسه كأنهم ويوسف إذا اجتمعوا وأباهم حال يوسف بينه وبينهم وصرف وجهه إلى نفسه فإذا ارتفع خلا وجه أبيهم لهم واختص حبه بهم وانحصر اقباله عليهم.
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست