وظاهر الوحي انه من وحى النبوة والمراد بأمرهم هذا القاؤهم إياه في غيابة الجب وكذا الظاهر أن جملة وهم لا يشعرون حال من الايحاء المدلول عليه بقوله وأوحينا الخ ومتعلق لا يشعرون هو الامر أي لا يشعرون بحقيقة أمرهم هذا أو الايحاء أي وهم لا يشعرون بما أوحينا إليه.
والمعنى والله أعلم وأوحينا إلى يوسف أقسم لتخبرنهم بحقيقة أمرهم هذا وتأويل ما فعلوا بك فإنهم يرونه نفيا لشخصك وانساء لاسمك واطفاء لنورك وتذليلا لك وحطا لقدرك وهو في الحقيقة تقريب لك إلى أريكة العزة وعرش المملكة واحياء لذكرك واتمام لنورك ورفع لقدرك وهم لا يشعرون بهذه الحقيقة وستنبؤهم بذلك وهو قوله لهم وقد اتكى على أريكة العزة وهم قيام امامه يسترحمونه بقولهم: " يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ان الله يجزى المتصدقين " إذ قال: " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون إلى أن قال انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا " الخ.
انظر إلى موضع قوله هل علمتم فإنه إشارة إلى أن هذا الذي تشاهدونه اليوم من الحال هو حقيقة ما فعلتم بيوسف وقوله: " إذ أنتم جاهلون " فإنه يحاذي من هذه الآية التي نحن فيها قوله: " وهم لا يشعرون ".
وقيل في معنى الآية وجوه اخر:
منها انك ستخبر اخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك وهو الذي اخبرهم به في مصر وهم لا يعرفونه ثم عرفهم نفسه.
ومنها ان المراد بانبائه إياهم مجازاتهم بسوء ما فعلوا كمن يتوعد من أساء إليه فيقول: لأنبئنك ولأعرفنك.
ومنها قول بعضهم كما روى عن ابن عباس ان المراد بانبائه إياهم بأمرهم ما جرى له مع اخوته بمصر حيث رآهم فعرفهم وهم له منكرون فأخذ جاما فنقره فظن فقال إن هذا الجام يخبرني انكم كان لكم أخ من أبيكم ألقيتموه في الجب وبعتموه بثمن بخس.
وهذه وجوه لا تخلو من سخافة والوجه ما قدمناه وقد كثر ورود هذه اللفظة في كلامه تعالى في معنى بيان حقيقة العمل كقوله تعالى: " إلى الله مرجعكم جميعا فينبؤكم بما كنتم تعملون " المائدة: 105 وقوله: " وسوف ينبؤهم الله بما كانوا يصنعون " المائدة: 14