تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٩٠
وهم مع ذلك كانوا يحبون أباهم ويعظمونه ويو قرونه وانما فعلوا بيوسف ما فعلوا ليخلص لهم حب أبيهم كما قالوا: " اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم " فهم كما يدل عليه هذا السياق كانوا يحبونه ويحبون ان يخلص لهم حبه ولو كان خلاف ذلك لانبعثوا بالطبع إلى أن يبدؤا بأبيهم دون أخيهم وان يقتلوا يعقوب أو يعزلوه أو يستضعفوه حتى يخلو لهم الجو ويصفو لهم الامر ثم الشأن في يوسف عليهم أهون.
ولقد جبهوا أباهم أخيرا بمثل قولهم هذا حين قال لهم " انى لا جد ريح يوسف لولا أن تفندون قالوا تالله انك لفى ضلالك القديم " الآية 95 من السورة ومن المعلوم ان ليس المراد به الضلال في الدين بل الافراط في حب يوسف والمبالغة في امره بما لا ينبغي.
ويظهر من الآية وما يرتبط بها من الآيات انه كان يعقوب (ع) يسكن البدو وكان له اثنا عشر ابنا وهم أولاد علة وكان عشرة منهم كبارا هم عصبة اولو قوة وشدة يدور عليهم رحى حياته ويدبر بأيديهم أمور أمواله ومواشيه وكان اثنان منهم صغيرين أخوين لام واحدة في حجر أبيهما وهما يوسف واخوه لامه وأبيه وكان يعقوب (ع) مقبلا إليهما يحبهما حبا شديدا لما يتفرس في ناصيتهما من آثار الكمال والتقوى لا لهوى نفساني فيهما كيف؟
وهو من عباد الله المخلصين الممدوح بمثل قوله تعالى: " انا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " ص: 46 وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
فكان هذا الحب والايثار يثير حسد سائر الاخوة لهما ويؤجج نائرة الأضغان منهم عليهما ويعقوب (ع) يتفرس ذلك ويبالغ في حبهما وخاصة في حب يوسف وكان يخافهم عليه ولا يرضى بخلوتهم به ولا يأمنهم عليه وذلك يزيد في حسدهم وغيظهم فصار يتفرس من وجوههم الشر والمكر كما مرت استفادته من قوله: " فيكيدوا لك كيدا " حتى رآى يوسف الرؤيا وقصها لأبيه فزاد بذلك اشفاق أبيه عليه وازداد حبه له ووجده فيه وأوصاه ان يكتم رؤياه ولا يخبر اخوته بها لعله يأمن بذلك كيدهم لكن التقدير غلب تدبيره.
فاجتمع الكبار من بنى يعقوب وتذاكروا فيما بينهم ما كانوا يشاهدونه من أمر أبيهم وما يصنعه بيوسف وأخيه حيث يشتغل بهما عنهم ويؤثر هما عليهم وهما طفلان صغيران لا يغنيان عنه بطائل وهم عصبة اولو قوة وشدة أركان حياته وأياديه الفعالة في
(٩٠)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست