تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٩٩
" يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب " الآية.
قوله تعالى: " فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب " قال الراغب أجمعت على كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو فاجمعوا امركم وشركاءكم قال ويقال أجمع المسلمون على كذا اتفقت آراؤهم عليه انتهى.
وفي المجمع اجمعوا أي عزموا جميعا ان يجعلوه في غيابة الجب أي قعر البئر واتفقت دواعيهم عليه فان من دعاه داع واحد إلى الشئ لا يقال فيه انه أجمع عليه فكأنه مأخوذ من اجتماع الدواعي انتهى والآية تشعر بأنهم أقنعوا أباهم بما قالوا له من القول وارضوه ان لا يمنعهم ان يخرجوا يوسف معهم إلى الصحراء فحملوه معهم لانفاذ ما أزمعوا عليه من القائه في غيابة الجب.
وجواب لما محذوف للدلالة على فجاعة الامر وفظاعته وهى صنعة شائعة في الكلام ترى المتكلم يصف أمرا فظيعا كقتل فجيع يحترق به القلب ولا يطيقه السمع فيشرع في بيان أسبابه والأحوال التي تؤدى إليه فيجرى في وصفه حتى إذا بلغ نفس الحادثة سكت سكوتا عميقا ثم وصف ما بعد القتل من الحوادث فيدل بذلك على أن صفة القتل بلغت من الفجاعة مبلغا لا يسع المتكلم ان يصرح به ولا يطيق السامع ان يسمعه.
فكأن الذي يصف القصة عز اسمه لما قال: " ولما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب " سكت مليا وامسك عن ذكر ما فعلوا به أسى وأسفا لان السمع لا يطيق وعى ما فعلوا بهذا الطفل المعصوم المظلوم النبي ابن الأنبياء ولم يأت بجرم يستحق به شيئا مما ارتكبوه فيه وهم اخوته وهم يعلمون مبلغ حب أبيه النبي الكريم يعقوب له فيا قاتل الله الحسد يهلك شقيقا مثل يوسف الصديق بأيدي اخوته ويثكل ابا كريما مثل يعقوب بأيدي أبنائه ويزين بغيا شنيعا كهذا في أعين رجال ربوا في حجر النبوة ونشؤا في بيت الأنبياء.
ولما حصل الغرض بالسكوت عن جواب لما جرى سبحانه في ذيل القصة فقال:
" وأوحينا إليه " الخ.
قوله تعالى: " وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون " الضمير ليوسف
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست