دفع كل رزية عادية وجلب منافع المعيشة وادارة الأموال والمواشي وليس من حسن السيرة واستقامة الطريقة ايثار هذين الضعيفين على ضعفهما على أولئك العصبة القوية على قوتهم فذموا سيرة أبيهم وحكموا بأنه في ضلال مبين من جهة طريقته هذه.
ولم يريدوا برمى أبيهم بالضلال الضلال في الدين حتى يكفروا بذلك بل الضلال في مشيته الاجتماعية كما توفرت بذلك شواهد الآيات وقد تقدمت الإشارة إليها.
وبذلك يظهر ما في مختلف التفاسير من الانحراف في تقرير معنى الآية منها ما ذكره بعضهم ان هذا الحكم منهم بضلال أبيهم عن طريق العدل والمساواة جهل مبين وخطأ كبير لعل سببه اتهامهم إياه بافراطه في حب أمهما من قبل فيكون مثاره الأول اختلاف الأمهات بتعدد الزوجات ولا سيما الإماء منهن (1) وهو الذي أضلهم من غريزة الوالدين في زيادة العطف على صغار الأولاد وضعافهم وكانا أصغر أولاده.
قال ومن فوائد القصة وجوب عناية الوالدين بمداراة الأولاد وتربيتهم على المحبة والعدل وانقاء وقوع التحاسد والتباغض بينهم ومنه اجتناب تفضيل بعضهم على بعض بما يعده المفضول إهانة له ومحاباة لأخيه بالهوى وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا ومنه سلوك سبيل الحكمة في تفضيل من فضل الله تعالى بالمواهب الفطرية كمكارم الأخلاق والتقوى والعلم والذكاء.
وما كان يعقوب بالذي يخفى عليه هذا وما نهى يوسف عن قص رؤياه عليهم الا من علمه بما يجب فيه ولكن ما يفعل الانسان بغريزته وقلبه وروحه؟ أيستطيع ان يحول دون سلطانها على جوارحه؟ كلا انتهى.
اما قوله ان منشأ حسدهم وبغيهم اختلاف الأمهات وخاصة الإماء منهن الخ ففيه ان استدعاء اختلاف الأمهات اختلاف الأولاد وان كان مما لا يسوغ انكاره ووجود ذلك في المورد محتمل لكن السبب المذكور في كلامه تعالى لذلك غير هذا ولو كان هو السبب الوحيد لفعلوا بأخي يوسف ما فعلوا به ولم يقنعوا به.