وقوله: " وتكونوا من بعده قوما صالحين " أي وتكونوا من بعد يوسف أو من بعد قتله أو نفيه والمال واحد قوما صالحين بالتوبة من هذه المعصية.
وفي هذا دليل على أنهم كانوا يرونه ذنبا واثما وكانوا يحترمون أمر الدين ويقدسونه لكن غلبهم الحسد وسولت لهم أنفسهم اقتراف الذنب وارتكاب المظلمة وآمنهم من عقوبة الذنب بتلقين طريق يمكنهم من الاقتراف من غير لزوم العقوبة الإلهية وهو ان يقترفوا الذنب ثم يتوبوا.
وهذا من الجهل فان التوبة التي شأنها هذا الشأن غير مقبولة البتة فان من يوطن نفسه من قبل على المعصية ثم التوبة منها لا يقصد بتوبته الرجوع إلى الله والخضوع لمقامه حقيقة بل انما يقصد المكر بربه في دفع ما أوعده من العذاب والعقوبة مع المخالفة لامره أو نهيه فتوبته ذيل لما وطن عليه نفسه اولا: ان يذنب فيتوب فهى في الحقيقة تتمة ما رامه اولا من نوع المعصية وهو الذنب الذي تعقبه توبة وليست رجوعا إلى ربه بالندم على ما فعل وقد تقدم البحث عن معنى التوبة في تفسير قوله تعالى: " انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة " الآية النساء 17 في الجزء الرابع من الكتاب.
وقيل المراد بالصلاح في الآية صلاح الامر من حيث سعادة الحياة الدنيا وانتظام الأمور فيها والمعنى وتكونوا من بعده قوما صالحين بصلاح امركم مع أبيكم.
قوله تعالى: " قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين " الجب هو البئر التي لم يطو أي لم يبن داخلها بالحجارة وان بني بها سميت البئر طويا والغيابة بفتح الغين المنهبط من الأرض الذي يغيب ما فيه من الانظار وغيابة الجب قعره الذي لا يرى لما فيه من الظلمة.
وقد اختار هذا القائل الرأي الثاني المذكور في الآية السابقة الذي يشير إليه قوله:
أو اطرحوه أرضا " الا انه قيده بما يؤمن معه القتل أو أمر آخر يؤدى إلى هلاكه كأن يلقى في بئر ويترك فيها حتى يموت جوعا أو ما يشاكل ذلك فما ابداه من الرأي يتضمن نفى يوسف من الأرض من غير أن يتسبب إلى هلاكه بقتل أو موت أو نقص يشبهه فيكون اهلاكا لذي رحم وهو ان يلقى في بعض الابار التي على طريق المارة حتى يعثروا به عند الاستقاء فيأخذوه ويسيروا به إلى بلاد نائية تعفو اثره وتقطع خبره والسياق يشهد بأنهم