ثم بمثل يعقوب (ع) منهم.
وليت شعري إذا لم يكن في استطاعة الانسان ان يخالف هوى نفسه في أمثال هذه الأمور فما معنى هذه الا وامر والنواهي الجمة في الدين المتعلقة بها وهل هي الا مجازفة صريحة.
على أن فيما ذكره ازراء لمقامات أنبياء الله وأوليائه وحطا لمواقفهم العبودية إلى درجة المتوسطين من الناس اسراء هوى أنفسهم الجاهلين بمقام ربهم وقد عرف سبحانه أنبياء بمثل قوله: " واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم " الانعام: 87 وقال في يعقوب وأبويه إبراهيم وإسحاق (ع): " وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وايتاء الزكاء وكانوا لنا عابدين " الأنبياء: 73 وقال فيهم أيضا: " انا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " ص 46.
فأخبر انه هداهم إلى مستقيم صراطه ولم يقيد ذلك بقيد وانه اجتباهم وجمعهم وأخلصهم لنفسه فهم مخلصون بفتح اللام لله سبحانه لا يشاركه فيهم مشارك فلا.
يبتغون الا ما يريده من الحق ولا يؤثرون على مرضاته مرضاة غيره سواء كان ذلك الغير أنفسهم أو غيره وقد كرر سبحانه في كلامه حكاية اغواء بني آدم عن الشيطان واستثنى المخلصين: " لا غوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين " ص: 83.
فالحق ان يعقوب انما كان يحب يوسف وأخاه في الله سبحانه لما كان يتفرس منهما التقوى والكمال ومن يوسف خاصة ما كانت تدل عليه رؤياه ان الله سيجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب ولم يكن حبه هوى البتة.
ومنها ما ذكره بعضهم ان مرادهم من قولهم: " ان ابانا لفى ضلال مبين " ضلاله في الدين وقد عرفت ان سياق الآيات الكريمة يدفعه.
ويقابل هذا القول بوجه قول آخرين ان اخوة يوسف كانوا أنبياء وانما نسبوا أباهم إلى الضلال في سيرته والعدول في أمرهم عن العدل والاستقامة وإذا اعترض عليهم بما ارتكبوه من المعصية والظلم في أخيهم وأبيهم أجابوا عنه بأن ذلك كانت معصية صغيرة صدرت عنهم قبل النبوة أو لا بأس به بناء على جواز صدور الصغائر عن الأنبياء قبل