تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٩٨
وقولهم: " وانا لحافظون " أكدوه بوجوه التأكيد إن واللام والجملة الاسمية على وزان قولهم:
" وانا له لناصحون " كما يدل ان كل واحدة من الجملتين تتضمن نوعا من التطيب لنفس أبيهم كأنهم قالوا: ما لك لا تأمنا على يوسف فان كنت تخاف عليه ايانا معشر الاخوة كأن نقصده بسوء فانا له لناصحون وان كنت تخاف عليه غيرنا مما يصيبه أو يقصده بسوء كأن يدهمه المكروه ونحن مساهلون في حفظه ومستهينون في كلاءته فانا له لحافظون.
فالكلام مسوق على ترتيبه الطبعي ذكروا اولا انه في امن من ناحيتهم دائما ثم سالوا ان يرسله معهم غداة غد ثم ذكروا انهم حافظون له ما دام عندهم وبذلك يظهر ان قولهم: " وانا له لناصحون " تأمين له دائمي من ناحية أنفسهم وقولهم: " وانا له لحافظون " تأمين له موقت من غيرهم.
قوله تعالى: " قال انى ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " هذا ما ذكر أبوهم جوابا لما سألوه ولم ينف عن نفسه انه لا يأمنهم عليه وانما ذكر ما يأخذه من الحالة النفسانية لو ذهبوا به فقال وقد اكد كلامه: " انى ليحزنني ان تذهبوا به " وقد كشف عن المانع انه نفسه التي يحزنها ذهابهم به لا ذهابهم به الموجب لحزنه تلطفا في الجواب معهم ولئلا يهيج ذلك عنادهم ولجاجهم وهو من لطائف النكت.
واعتذر إليهم في ذلك بقوله: " وأخاف ان يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " وهو عذر موجه فان الصحارى ذوات المراتع التي تأوى إليها المواشي وترتع فيها الأغنام لا تخلو طبعا من ذئاب أو سباع تقصدها وتكمن فيها للافتراس والاصطياد فمن الجائز ان يقبلوا على بعض شانهم ويغفلوا عنه فيأكله الذئب.
قوله تعالى: " قالوا لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون " تجاهلوا لأبيهم كأنهم لم يفقهوا الا انه يأمنهم عليه لكن يخاف ان يأكله الذئب على حين غفلة منهم فردوه رد منكر مستغرب وذكروا لتطيب نفسه انهم جماعة أقوياء متعاضدون ذوو بأس وشدة واقسموا بالله ان اكل الذئب إياه وهم عصبة يقضى بخسرانهم ولن يكونوا خاسرين البتة وانما اقسموا كما يدل عليه لام القسم ليطيبوا نفسه ويذهبوا بحزنه فلا يمنعهم من الذهاب به وهذا شائع في الكلام وفي الكلام وعد ضمني منهم له انهم لن يغفلوا لكنهم لم يلبثوا يوما حتى كذبوا أنفسهم فيما اقسموا له واخلفوه ما وعدوه إذ قالوا:
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»
الفهرست