تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٨٤
ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والابصار انا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " ص: 46 ويعطى ان العلم بتأويل الأحاديث من فروع الاخلاص لله سبحانه.
وثانيا: ان جميع ما أخبر به يعقوب (ع) منطبق على متن ما رآه يوسف ع من الرؤيا وهو سجدة الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا له وذلك أن سجدتهم له وفيهم يعقوب الذي هو من المخلصين ولا يسجد الا لله وحده تكشف عن انهم انما سجدوا امام يوسف لله ولم يأخذوا يوسف الا قبلة كالكعبة التي يسجد إليها ولا يقصد بذلك الا الله سبحانه فلم يكن عند يوسف ولا له الا الله تعالى وهذا هو كون العبد مخلصا بفتح اللام لربه مخصوصا به لا يشاركه تعالى فيه شئ كما يومى إليه يوسف بقوله: " ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ " ء وقد تقدم آنفا ان العلم بتأويل الأحاديث متفرع على الاخلاص.
ومن هنا قال يعقوب في تعبير رؤياه: " وكذلك أي كما رأيت نفسك مسجودا لها يجتبيك ربك أي يخلصك لنفسه ويعلمك من تأويل الأحاديث ".
وكذلك رؤية آل يعقوب في صورة الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا وهى اجرام سماوية رفيعة المكان ساطعة الأنوار واسعة المدارات تدل على أنهم سترتفع مكانتهم ويعلوا كعبهم في حياتهم الانسانية السعيدة وهى الحياة الدينية العامرة للدنيا والآخرة ويمتازون في ذلك من غيرهم. ومن هنا مضى يعقوب في حديثه وقال: " ويتم نعمته عليك أي وحدك متميزا من غيرك كما رأيت نفسك كذلك وعلى آل يعقوب أي علي وعلى زوجي وولدي جميعا كما رأيتنا مجتمعين متقاربي الصور كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق ان ربك عليم حكيم ".
وثالثا: ان المراد باتمام النعمة تعقيب الولاية برفع سائر نواقص الحياة السعيدة وضم الدنيا إلى الآخرة ولا تنافى بين نسبة اتمام النعمة إلى الجميع وبين اختصاص الاجتباء وتعليم تأويل الأحاديث بيعقوب ويوسف (ع) من بينهم لان النعمة وهى الولاية مختلفة الدرجات متفاوتة المراتب وحيث نسبت إلى الجميع يأخذ كل منهم نصيبه منها.
على أن من الجائز ان ينسب أمر إلى المجموع باعتبار اشتماله على اجزاء بعضها قائم
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست