تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٨٨
يلي أمور عباده المخلصين حتى يرفعهم إلى عرش العزة ويثبتهم في أريكة الكمال فهو تعالى الغالب على امره يسوق الأسباب إلى حيث يشاء لا إلى حيث يشاء غيره ويستنتج منها ما يريد لا ما هو اللائح الظاهر منها.
فهذه اخوة يوسف (ع) حسدوا أخاهم وكادوه وألقوه في قعر بئر ثم شروه من السيارة عبدا يريدون بذلك ان يسوقوه إلى الهلاك فأحياه الله بعين هذا السبب اللائح منه الهلاك وان يذللوه فأعزه الله بعين سبب التذليل ووضعوه فرفعه الله بعين سبب الوضع والخفض وان يحولوا حب أبيهم إلى أنفسهم فيخلوا لهم وجه أبيهم فعكس الله الامر وذهبوا ببصر أبيهم حيث نعوا إليه يوسف بقميصه الملطخ بالدم فأعاد الله إليه بصره بقميصه الذي جاء به إليه البشير وألقاه على وجهه.
ولم يزل يوسف ع كلما قصده قاصد بسوء انجاه الله منه وجعل فيه ظهور كرامته وجمال نفسه وكلما سير به في مسير أو ركب في سبيل يهديه إلى هلكة أو رزية هداه الله بعين ذلك السبيل إلى غاية حسنة ومنقبة شريفة ظاهرة وإلى ذلك يشير يوسف (ع) حيث يعرف نفسه لا خوته ويقول: " انا يوسف وهذا اخى قد من الله علينا انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين " الآية 91 من السورة ويقول لأبيه بحضرة من اخوته " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين اخوتى " ثم تأخذه الجذبة الإلهية فيقبل بكلية نفسه الوالهة إلى ربه ويعرض عن غيره فيقول: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليى في الدنيا والآخرة " الآية 101 من السورة.
وفي قوله تعالى: " للسائلين " دلالة على أنه كان هناك جماعة سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن القصة أو عما يرجع بوجه إلى القصة فأنزلت في هذه السورة.
قوله تعالى: " إذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفى ضلال مبين " ذكر في المجمع ان العصبة هي الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ويقع على جماعة من عشرة إلى خمسة عشر وقيل ما بين العشرة إلى الأربعين ولا واحد له من لفظه كالقوم والرهط والنفر انتهى.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»
الفهرست