تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٠٤
محالها الواقعية أو يحرفها عن مجراها الكونية فان القى سترا على واحدة منها ظهرت الأخرى والا فالثالثة وهكذا.
ومن هنا كانت الدولة للحق وان كانت للباطل جولة وكانت القيمة للصدق وان تعلقت الرغبة أحيانا بالكذب قال تعالى: " ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار " الزمر:
3 وقال: " ان الله لا يهدى من هو مسرف كذاب " المؤمن: 28. وقال: " ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون " النحل: 116 وقال: " بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج " ق: 5 وذلك انهم لما عدوا الحق كذبا بنوا على الباطل واعتمدوا عليه في حياتهم فوقعوا في نظام مختل يناقض بعض اجزائه بعضا ويدفع طرف منه طرفا.
قوله تعالى: " قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " هذا جواب يعقوب وقد فوجئ بنعي ابنه وحبيبه يوسف دخلوا عليه وليس معهم يوسف وهم يبكون يخبرونه ان يوسف قد اكله الذئب وهذا قميصه الملطخ بالدم وقد كان يعلم بمبلغ حسدهم له وهم قد انتزعوه من يده بالحاح واصرار وجاؤا بقميصه وعليه دم كذب ينادى بكذبهم فيما قالوه وأخبروا به.
فاضرب عن قولهم: " انا ذهبنا نستبق " الخ بقوله: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا " والتسويل الوسوسة أي ليس الامر على ما تخبرون بل وسوست لكم أنفسكم فيه أمرا وأبهم الامر ولم يعينه ثم أخبر انه صابر في ذلك من غير أن يؤاخذهم وينتقم منهم لنفسه انتقاما وانما يكظم ما هجم نفسه كظما.
فقوله: " بل سولت لكم أنفسكم أمرا " تكذيب لما أخبروا به من أمر يوسف وبيان انه على علم من أن فقد يوسف لا يستند إلى ما ذكروه من افتراس السبع وانما يستند إلى مكر مكروه وتسويل من أنفسهم لهم والكلام بمنزلة التوطئة لما ذكره بعد من قوله: " فصبر جميل " إلى آخر الآية.
وقوله: " فصبر جميل " مدح للصبر وهو من قبيل وضع السبب موضع المسبب والتقدير سأصبر على ما أصابني فان الصبر جميل وتنكير الصبر وحذف صفته وابهامها للإشارة إلى فخامة امره وعظم شانه أو مرارة طعمه وصعوبة تحمله.
وقد فرع قوله: " فصبر جميل " على ما تقدم للاشعار بان الأسباب التي أحاطت
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست