وقوله: " إذ قالوا ليوسف واخوه أحب إلى أبينا منا " القائلون هم أبناء يعقوب ما خلا يوسف وأخاه الذي ذكروه معه وكانت عدتهم عشرة وهم رجال أقوياء بيدهم تدبير بيت أبيهم يعقوب وادارة مواشيه وأمواله كما يدل عليه قولهم " ونحن عصبة ".
وقولهم: " ليوسف واخوه " بنسبته إلى يوسف مع أنهم جميعا أبناء ليعقوب واخوة فيما بينهم يشعر بان يوسف وأخاه هذا كانا أخوين لام واحدة وأخوين لهؤلاء القائلين لأب فقط الروايات تذكر ان اسم اخى يوسف هذا بنيامين والسياق يشهد انهما كانا صغيرين لا يقومان بشئ من أمر بيت يعقوب وتدبير مواشيه وأمواله.
وقولهم: " ونحن عصبة " أي عشرة أقوياء مشدود ضعف بعضنا بقوة بعض وهو حال عن الجملة السابقة يدل على حسدهم وحنقهم لهما وغيظهم على أبيهم يعقوب في حبه لهما أكثر منهم وهو بمنزلة تمام التعليل لقولهم بعده: " ان ابانا لفى ضلال مبين ".
وقولهم: " ان ابانا لفى ضلال مبين " قضاء منهم على أبيهم بالضلال ويعنون بالضلال الاعوجاج في السليقة وفساد السيرة دون الضلال في الدين.
اما اولا: فلان ذلك هو مقتضى ما تذاكروا فيما بينهم انهم جماعة اخوان أقوياء متعاضدون متعصب بعضهم لبعض يقومون بتدبير شؤون أبيهم الحيوية واصلاح معاشه ودفع كل مكروه يواجهه ويوسف واخوه طفلان صغيران لا يقويان من أمور الحياة على شئ وليس كل منها الا كلا عليه وعليهم وإذا كان كذلك كان توغل أبيهم في حبهما واشتغاله بكليته بهما دونهم واقباله عليهما بالاعراض عنهم طريقة معوجة غير مرضية فإن حكمة الحياة تستدعى ان يهتم الانسان بكل من أسبابه ووسائله على قدر ما له من التأثير وقصر الانسان اهتمامه على من هو كل عليه ولا يغنى عنه طائلا والاعراض عمن بيده مفاتيح حياته وازمة معاشه ليس الا ضلالا من صراط الاستقامة واعوجاجا في التدبير واما الضلال في الدين فله أسباب اخر كالكفر بالله وآياته ومخالفة أو امره ونواهيه.
واما ثانيا: فلانهم كانوا مؤمنين بالله مذعنين بنبوة أبيهم يعقوب كما يظهر من قولهم:
" وتكونوا من بعده قوما صالحين " وقولهم أخيرا " يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا " الآية 97 من السورة وقولهم ليوسف أخيرا " تالله لقد آثرك الله علينا " وغير ذلك ولو أرادوا بقولهم: " ان ابانا لفى ضلال مبين " ضلاله في الدين لكانوا بذلك كافرين.