تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٥٩
وبتقطيع الأرض شقها وجعلها قطعة قطعة وبتكليم الموتى احياؤهم لاستخبارهم عما جرى عليهم بعد الموت ليستدل على حقية الدار الآخرة فان هذا هو الذي كانوا يقترحونه.
فهذه أمور عظيمة خارقة للعادة فرضت آثارا لقرآن فرضه الله سبحانه بقوله:
" ولو أن قرآنا " الخ وجزاء لو محذوف لدلالة الكلام عليه فان الكلام معقب بقوله " بل لله الامر جميعا " والآيات كما عرفت مسوقة لبيان ان أمر الهداية ليس براجع إلى الآية التي يقترحونها بقولهم لولا انزل عليه آية بل الامر إلى الله يضل من يشاء كما أضلهم ويهدى إليه من أناب.
وعلى هذا يجرى سياق الآيات كقوله تعالى: " بعد بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد " وقوله: " وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم " الآية وقوله: " وما كان لرسول ان يأتي بآية الا بإذن الله " الآية إلى غير ذلك وعلى مثله جرى سياق الآيات السابقة.
فجزاء لو المحذوف هو نحو من قولنا " ما كان لهم ان يهتدوا به الا ان يشاء الله " والمعنى ولو فرض ان قرآنا من شأنه انه تسير به الجبال أو تقطع به الأرض أو يحيا به الموتى فتكلم ما كان لهم ان يهتدوا به الا ان يشاء الله بل الامر كله لله ليس شئ منه لغيره حتى يتوهم متوهم انه لو أنزلت آية عظيمة هائلة مدهشة أمكنها ان تهديهم لا بل الامر لله جميعا والهداية راجعة إلى مشيته.
وعلى هذا فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى: " ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله " الانعام: 111.
وما قيل إن جزاء لو المحذوف نحو من قولنا لكان ذلك هذا القرآن والمراد بيان عظم شأن القرآن وبلوغه الغاية القصوى في قوة البيان ونفوذ الامر وجهالة الكفار حيث اعرضوا عنه واقترحوا آية غيره والمعنى ان القرآن في رفعة القدر وعظمة الشأن بحيث لو فرض ان قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى أو في الموضعين لمنع الخلو لا لمنع الجمع لكان ذلك هذا القرآن لكن الله لم ينزل قرآنا كذلك فالآية بوجه نظيرة قوله: " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " الحشر 21.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست