وليس الايمان بالله تعالى مثلا مجرد ادراك انه حق فان مجرد الادراك ربما يجامع الاستكبار والجحود كما قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل - 14 مع أن الايمان لا يجامع الجحود فليس الايمان بشئ مجرد ادراك انه حق مثلا بل مطاوعة وقبول خاص من النفس بالنسبة إلى ما أدركته يوجب تسليمها له ولما يقتضيه من الآثار وآيته مطاوعة سائر القوى والجوارح وقبولها له كما طاوعته النفس وقبلته فترى المعتاد ببعض الأعمال المذمومة ربما يدرك وجه القبح أو المساءة فيه غير أنه لا يكف عنه لان نفسه لا تؤمن به ولا تستسلم له وربما طاوعته وسلمت له بعد ما أدركته وكفت عنه عند ذلك بلا مهل وهو الايمان.
وهذا هو الذي يظهر من قوله تعالى: " فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " الانعام: 125 فالهداية من الله سبحانه تستدعى من قلب العبد أو صدره وبالآخرة من نفسه أمرا نسبته إليها نسبة القبول والمطاوعة إلى الامر المقبول المطاوع وقد عبر عنه في آية الانعام بشرح الصدر وتوسعته وفى الآية المبحوث عنها بالايمان واطمئنان القلب وهو ان يرى الانسان نفسه في امن من قبوله ومطاوعته ويسكن قلبه إليه ويستقر هو في قلبه من غير أن يضطرب منه أو ينقلع عنه.
ومن ذلك يظهر ان قوله: " وتطمئن قلوبهم بذكر الله " عطف تفسيري على قوله آمنوا فالايمان بالله يلازم اطمئنان القلب بذكر الله تعالى.
ولا ينافي ذلك ما في قوله تعالى: " انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الأنفال: 2 فان الوجل المذكور فيه حالة قلبية متقدمة على الاطمئنان المذكور في الآية المبحوث عنها كما يرشد إليه قوله تعالى: " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدى به من يشاء " الزمر: 23 وذلك أن النعمة هي النازلة من عنده سبحانه واما النقمة ايا ما كانت فهى بالحقيقة امساك منه عن إفاضة النعمة وانزال الرحمة وليست فعلا ثبوتيا صادرا منه تعالى على ما يفيده قوله: " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " فاطر: 2.