تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٥٨
وأكثر هذه المعاني من باب الانطباق وهى خارجة عن دلالة اللفظ.
قوله تعالى: " كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم " إلى آخر الآية متاب مصدر ميمي للتوبة وهى الرجوع والإشارة بقوله كذلك إلى ما ذكره تعالى من سنته الجارية من دعوة الأمم إلى دين التوحيد ثم اضلال من يشاء وهداية من يشاء على وفق نظام الرجوع إلى الله والايمان به وسكون القلب بذكره وعدم الرجوع إليه.
والمعنى وأرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم ارسالا يماثل هذه السنة الجارية ويجرى في امره على وفق هذا النظام لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وتبلغهم ما يتضمنه هذا الكتاب وهم يكفرون بالرحمان وانما قيل بالرحمان دون ان يقال بنا على ما يقتضيه ظاهر السياق ايماء إلى انهم في ردهم هذا الوحي الذي يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليهم وهو القرآن وعدم اعتنائهم بأمره حيث يقولون مع نزوله " لولا انزل عليه آية من ربه " يكفرون برحمة الهية عامة تضمن لهم سعادة دنياهم وأخراهم لو اخذوه وعملوا به.
ثم أمر تعالى ان يصرح لهم القول في التوحيد فقال: " قل هو ربى لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب " أي هو وحده ربى من غير شريك كما تقولون ولربوبيته لي وحده اتخذه القائم على جميع اموري وبها وارجع إليه في حوائجي وبذلك يظهر أقوله: " عليه توكلت واليه متاب " من آثار الربوبية المتفرعة عليها فان الرب هو المالك المدبر فمحصل المعنى هو وكيلي واليه ارجع.
وقيل إن المراد بالمتاب هو التوبة من الذنوب لما في المعنى الأول من لزوم كون إليه متاب تأكيدا لقوله عليه توكلت وهو خلاف الظاهر.
وفيه منع رجوعه إلى التأكيد ثم منع كونه خلاف الظاهر وهو ظاهر.
وذكر بعضهم ان المعنى إليه متابى ومتابكم وفيه انه مستلزم لحذف وتقدير لا دليل عليه ومجرد كون مرجعهم إليه في الواقع لا يوجب التقدير من غير أن يكون في الكلام ما يوجب ذلك.
قوله تعالى: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الامر جميعا " المراد بتسيير الجبال قلعها من أصولها واذهابها من مكان إلى مكان
(٣٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 ... » »»
الفهرست