وقوله بعد: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال إلى قوله بل لله الامر جميعا " وقوله بعد: " وصدوا عن السبيل " إلى آخر الآية.
فأجاب تعالى عن قولهم بقوله آمرا نبيه ان يلقيه إليهم: " قل ان الله يضل من يشاء ويهدى إليه من أناب " فافاد ان الامر ليس إلى الآية حتى يهتدوا بنزولها ويضلوا بعدم نزولها بل أمر الاضلال والهداية إلى الله سبحانه يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
ولما لم يؤمن ان يتوهموا منه ان الامر يدور مدار مشية جزافية غير منتظمة أشار إلى دفعه بتبديل قولنا ويهدى إليه من يشاء من قوله ويهدى إليه من أناب فبين ان الامر إلى مشية الله تعالى جارية على سنة دائمة ونظام متقن مستمر وذلك أنه تعالى يشاء هداية من أناب ورجع إليه ويضل من اعرض ولم ينب فمن تلبس بصفة الإنابة والرجوع إلى الحق ولم يتقيد بأغلال الأهواء هداه الله بهذه الدعوة الحقة ومن كان دون ذلك ضل عن الطريق وان كان مستقيما ولم تنفعه الآيات وان كانت معجزة وما تغن الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.
ومن هنا يظهر ان قوله ان الله يضل الخ على تقدير ان الله يضل بمشيته من لم ينب إليه ويهدى إليه بمشيته من أناب إليه.
ويظهر أيضا ان الضمير إليه في يهدى إليه راجع إليه تعالى وان ما ذكره بعضهم انه راجع إلى القرآن وآخرون انه راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير وجيه.
قوله تعالى: " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب " الاطمئنان السكون والاستقرار والاطمئنان إلى الشئ السكون إليه.
وظاهر السياق ان صدر الآية بيان لقوله في ذيل الآية السابقة من أناب فالايمان واطمئنان القلب بذكر الله هو الإنابة وذلك من العبد تهيؤ واستعداد يستعقب عطية الهداية الإلهية كما أن الفسق والزيغ في باب الضلال تهيؤ واستعداد يستعقب الاضلال من الله كما قال: " وما يضل به الا الفاسقين " البقرة: 26 وقال: " فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفاسقين " الصف: 5.