تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٤٦
والذي احسب والله أعلم ان مجموع قوله تعالى: " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة " مسوق لبيان معنى واحد وهو الاتيان بالعمل الصالح أعني اتيان الواجبات وترك المحرمات و تدارك ما يقع فيه من الخلل استثناء بالحسنة فالعمل الصالح هو المقصود بالأصالة ودرء السيئة بالحسنة الذي هو تدارك الخلل الواقع في العمل مقصود بالتبع كالمتمم للنقيصة.
فلو جرى الكلام على السياق السابق وقيل: " والذين يصبرون ابتغاء وجه ربهم ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة " فأتت هذه العناية وبطل ما ذكر من حديث الأصالة والتبعية لكن قيل " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم " فأخذ جميع الصبر المستقر أمرا واحدا مستمرا ليدل على وقوع كل الصبر منهم ثم قيل ويدرؤن الخ ليدل على دوام مراقبتهم بالنسبة إليه لتدارك ما وقع فيه من الخلل وكذا في الصلاة والانفاق فافهمه.
وهذه العناية بوجه نظيرة العناية في قوله تعالى: " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة " الآية حيث يدل على تفرع تنزل الملائكة على تحقق قولهم ربنا الله واستقامتهم دون الاستمرار عليه.
وقوله " أولئك لهم عقبى الدار " أي عاقبتها المحمودة فإنها هي العاقبة حقيقة لان الشئ لا ينتهى بحسب ما جبله الله عليه الا إلى عاقبة تناسبه وتكون فيها سعادته واما العاقبة المذمومة السيئة ففيها بطلان عاقبة الشئ لخلل واقع فيه وانما تسمى عاقبة بنحو من التوسع ولذلك اطلق في الآية عقبى الدار وأريدت بها العاقبة المحمودة وقوبلت فيما يقابلها من الآيات بقوله ولهم سوء الدار ومن هنا يظهر ان المراد بالدار هذه الدار الدنيا أي حياة الدار فالعاقبة عاقبتها.
قوله تعالى: " جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " العدن الاستقرار يقال عدن بمكان كذا إذا استقر فيه ومنه المعدن لمستقر الجواهر الأرضية وجنات عدن أي جنات نوع من الاستقرار فيه خلود وسلام من كل جهة.
وجنات عدن الخ بدل أو عطف بيان من قوله عقبى الدار أي عاقبة هذه الدار المحمودة هي جنات العدن والخلود فليست هذه الحياة الدنيا بحسب ما طبعها الله
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»
الفهرست