تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٤٣
والآية مطلقة فالمراد به كل صلة أمر الله سبحانه بها ومن أشهر مصاديقه صلة الرحم التي أمر الله بها واكد القول في وجوبها قال تعالى: " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " النساء: 1.
وقد اكد القول فيه بما في ذيل الآية من قوله " ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب " فأشار إلى أن في ترك الصلة مخالفة لأمر الله فليخش الله في ذلك وعملا سيئا مكتوبا في صحيفة العمل محفوظا على الانسان يجب ان يخاف من حسابه السئ.
والظاهر أن الفرق بين الخشية والخوف ان الخشية تأثر القلب من اقبال الشر أو ما في حكمه والخوف هو التأثر عملا بمعنى الاقدام على تهيئة ما يتقى به المحذور وان لم يتأثر القلب ولذا قال سبحانه في صفة أنبيائه: " ولا يخشون أحدا الا الله " الأحزاب:
39 فنفى عنهم الخشية عن غيره وقد أثبت الخوف لهم عن غيره في مواضع من كلامه كقوله: " فأوجس في نفسه خيفة موسى " طه: 67 وقوله: " واما تخافن من قوم خيانة " الأنفال: 58.
ولعله إليه يرجع ما ذكره الراغب في الفرق بينهما ان الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم ولذا خص العلماء بها في قوله: " انما يخشى الله من عباده العلماء " وكذا قول بعضهم ان الخشية أشد الخوف لأنها مأخوذة من قولهم شجرة خشية أي يابسة وكذا قول بعضهم ان الخوف يتعلق بالمكروه وبمنزله يقال خفت المرض وخفت زيدا بخلاف الخشية فإنها تتعلق بالمنزل دون المكروه نفسه يقال خشيت الله.
ولولا رجوعها إلى ما قدمناه لكانت ظاهرة النقض وذكر بعضهم ان الفرق أغلبي لا كلى والآخرون ان لا فرق بينهما أصلا وهو مردود بما قدمناه من الآيات.
قوله تعالى: " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وانفقوا " إلى آخر الآية اطلاق الصبر يدل على اتصافهم بجميع شعبه وأقسامه وهى الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية لكنه مع ذلك مقيد بقوله ابتغاء وجه ربهم أي طلبا لوجه ربهم فصفتهم التي يمدحون بها ان يكون صبرهم لوجه الله لان الكلام في
(٣٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»
الفهرست