زهوقا " اسرى: 81 وقال: " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " الأنبياء: 18.
وثالثها ان من حكم الحق انه لا يعارض حقا غيره ولا يزاحمه بل يمده وينفعه في طريقه إلى كماله ويسوقه إلى ما يسلك إليه من السعادة يدل على ذلك تعليقه البقاء والمكث في الآية على الحق الذي ينفع الناس.
وليس المراد بنفي التعارض ارتفاع التنازع والتزاحم من بين الأشياء في عالمنا المشهود فإنما هو دار التنازع والتزاحم لا يرى فيه الا نار يخمدها ماء وماء تفنيها نار وارض يأكلها نبات ونبات يأكله حيوان ثم الحيوان يأكل بعضه بعضا ثم الأرض يأكل الجميع بل المراد ان هذه الأشياء على ما بينها من الافتراس والانتهاش تتعاون في تحصيل الأغراض الإلهية ويتسبب بعضها ببعض للوصول إلى مقاصدها النوعية فمثلها مثل القدوم والخشب فإنهما مع تنازعهما يتعاونان في خدمة النجار في صنعة الباب مثلا ومثل كفتى الميزان فإنهما في تعارضهما وتصارعهما يطيعان من بيده لسان الميزان لتقدير الوزن وهذا بخلاف الباطل كوجود كلال في القدوم أو بخس في المثقال فإنه يعارض الغرض الحق ويخيب السعي فيفسد من غير اصلاح ويضر من غير نفع.
ومن هذا الباب غالب آيات التسخير في القرآن كقوله: " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه " الجاثية: 13 فكل شئ منها يفعل ما يقتضيه طبعه غير أنه يسلك في ذلك إلى تحصيل ما اراده الله سبحانه من الامر.
وهذه الأصول المستفادة من الآية الكريمة هي المنتجة لتفاصيل احكام الصنع والايجاد ولئن تدبرت في الآيات القرآنية التي تذكر الحق والباطل وأمعنت فيها رأيت عجبا.
واعلم أن هذه الأصول كما تجرى في الأمور العينية والحقائق الخارجية كذلك تجرى في العلوم والاعتقادات فمثل الاعتقادات الحق في نفس المؤمن مثل الماء النازل من السماء الجاري في الأودية على اختلاف سعتها وينتفع به الناس وتحيى قلوبهم ويمكث فيهم الخير والبركة ومثل الاعتقاد الباطل في نفس الكافر كمثل الزبد الذي يربو السيل لا يلبث دون ان يذهب جفاء ويصير سدى قال تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم: 27.