تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٣٨
والبصيرة إلى ما في عالم الغيب من الحقائق كما أن ما في عالم الشهادة آيات دالة على ما في عالم الغيب على ما تكرر ذكره في القرآن الكريم ولا كثير فرق بين كون هذه المشهودات أمثالا مضروبه أو آيات دالة وهو ظاهر وقد تبين بهذا المثل المضروب في الآية أمور هي من كليات المعارف الإلهية أحدها ان الوجود النازل من عنده تعالى على الموجودات الذي هو بمنزلة الرحمة السماوية والمطر النازل من السحاب على ساحة الأرض خال في نفسه عن الصور والاقدار وانما يتقدر من ناحية الأشياء أنفسها كماء المطر الذي يحتمل من القدر والصورة ما يطرء عليه من ناحية قوالب الأودية المختلفة في الاقدار والصور فإنما تنال الأشياء من العطية الإلهية بقدر قابليتها واستعداداتها وتختلف باختلاف الاستعدادات والظروف والأوعية وهذا أصل عظيم يدل عليه أو يلوح إليه آيات كثيرة من كلامه تعالى كقوله: " وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم " الحجر: 21 وقوله: " وانزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الزمر: 6 ومن الدليل عليه جميع آيات القدر.
ثم إن هذه الأمور المسماة بالاقدار وان كانت خارجة عن الإفاضة السماوية مقدرة لها لكنها غير خارجة عن ملك الله سبحانه وسلطانه ولا واقعة من غير اذنه وقد قال تعالى:
" إليه يرجع الامر كله " هود: 123 وقال: " بل لله الامر جميعا " الآية: 31 من السورة وبانضمام هذه الآيات إلى الآيات السابقة يظهر أصل آخر أدق معنى وأوسع مصداقا وثانيها: ان تفرق هذه الرحمة السماوية في اودية العالم وتقدرها بالاقدار المقارنة لها لا ينفك عن أخباث وفضولات تعلوها وتظهر منها غير أنها باطلة أي زائلة غير ثابتة بخلاف تلك الرحمة النازلة المتقدرة بالاقدار فإنها باقية ثابتة أي حقة وعند ذلك ينقسم ما في الوجود إلى حق وهو الثابت الباقي وباطل وهو الزائل غير الثابت.
والحق من الله سبحانه والباطل ليس إليه وان كان باذنه قال تعالى: " الحق من ربك " آل عمران: 60 وقال: " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا " ص: 27 فهذه الموجودات يشتمل كل منها على جزء حق ثابت غير زائل سيعود إليه ببطلان ما هو الباطل منها كما قال: " ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى " الأحقاف: 3 وقال: " ويحق الله الحق بكلماته " يونس: 82 وقال: " ان الباطل كان
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»
الفهرست