ما في التقرير، وقد عرفت ما يرد عليه.
وعاشرها: أن المراد إلا من شاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار فالاستثناء من الضمير العائد إلى الذين شقوا، والتقدير فأما الذين شقوا فكائنون في النار إلا من شاء ربك، والظاهر أن هذا القائل يوجه الاستثناء في ناحية أهل الجنة " وأما الذين سعدوا - إلى قوله - إلا ما شاء ربك " بأن المراد به أهل التوحيد الخارجون من النار إلى الجنة كما تقدم في بعض الوجوه السابقة، والمعنى أن السعداء في الجنة خالدين فيها إلا الفساق من أهل التوحيد فإنهم في النار ثم يخرجون فيدخلون الجنة، ونسب الوجه إلى أبي مجاز.
وفيه: أن ما ذكره إنما يجري في أول الاستثنائين فالثاني من الاستثنائين لا بد أن يوجه بوجه آخر، وهو كائنا ما كان يوجب انتقاض وحدة السياق في الآيتين.
على أن العصاة من المؤمنين الذين يعفو عنهم الله سبحانه فلا يدخلهم النار من رأس لا يعفى عنهم جزافا وإنما يعفى لصالح عمل عملوه أو لشفاعة فيصيرون بذلك سعداء فيدخلون في الآية الثانية: " وأما الذين سعدوا ففي الجنة " الخ من غير أن يدخلوا في زمرة الأشقياء ثم يستثنوا لعدم دخولهم النار، وبالجملة هم ليسوا بأشقياء حتى يستثنوا بل سعداء داخلون في الجنة من أول.
وقوله: " إن ربك فعال لما يريد " تعليل للاستثناء، وتأكيد لثبوت قدرته تعالى مع العمل على حال إطلاقها كما تقدم.
قوله تعالى: " وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " قرئ سعدوا بالبناء للمجهول وبالبناء للمعلوم والثاني أوفق باللغة لان مادة سعد لازمة في المعروف من استعمالهم لكن الأول وهو سعدوا بالبناء للمجهول مع كون شقوا في الآية السابقة بالبناء للمعلوم لا يخلوا عن إشارة لطيفة إلى أن السعادة والخير من الله سبحانه والشر الملحق بهم هو من عندهم كما قال تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا " النور: 21.
والجذ: هو القطع وعطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع، وعده تعالى الجنة عطاء غير مجذوذ مع سبق الاستثناء من الخلود بقوله: " إلا ما شاء ربك " من أحسن الشواهد