هذا وجه في الاستثناء وهنا وجوه أخر أنهى الجميع في مجمع البيان إلى عشرة فليكن ما ذكرناه أولها.
وثانيهما: أنه استثناء في الزيادة من العذاب لأهل النار والزيادة من النعيم لأهل الجنة والتقدير إلا ما شاء ربك من الزيادة على هذا المقدار كما يقول الرجل لغيره: لي عليك ألف دينار إلا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا فالألفان زيادة على الألف بغير شك لان الكثير لا يستثنى من القليل، وعلى هذا فيكون إلا بمعنى سوى أي سوى ما شاء ربك كما يقال: ما كان معنا رجل إلا زيد أي سوى زيد.
وفيه: أنه مبني على عدم إفادة قوله: " ما دامت السماوات والأرض " الدوام والأبدية وقد عرفت خلافه.
وثالثها: أن الاستثناء واقع على مقامهم في المحشر لانهم ليسوا في جنة ولا نار، ومدة كونهم في البرزخ الذي هو ما بين الموت والحياة لأنه تعالى لو قال: خالدين فيها أبدا ولم يستثن لظن الظان أنهم يكونون في النار والجنة من لدن نزول الآية أو من بعد انقطاع التكليف فحصل للاستثناء فائدة.
فإن قيل: كيف يستثنى من الخلود في النار ما قبل الدخول فيها؟ فالجواب أن ذلك جائز إذا كان الاخبار به قبل الدخول فيها.
وفيه: أنه لا دليل عليه من جهة اللفظ. على أن هذا الوجه بظاهره مبني على إفادة قوله: " فمنهم شقي وسعيد " الشقاوة والسعادة الجبريتين من غير اكتساب واختيار وقد عرفت ما فيه.
ورابعها: أن الاستثناء الأول متصل بقوله: " لهم فيها زفير وشهيق " وتقديره إلا ما شاء ربك من أجناس العذاب الخارجة عن هذين الضربين، ولا يتعلق الاستثناء بالخلود وفي أهل الجنة متصل بما دل عليه الكلام فكأنه قال: لهم فيها نعيم إلا ما شاء ربك من أنواع النعيم، وإنما دل عليه قوله: " عطاء غير مجذوذ ".