فاختلف فيه " إشارة إلى اختلاف اليهود في التوراة بعد موسى.
وقوله: " ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم " كرر سبحانه في كتابه ذكر أن اختلاف الناس في أمر الدنيا أمر فطروا عليها لكن اختلافهم في أمر الدين لا منشأ له إلا البغي بعد ما جاءهم العلم، قال تعالى: " وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا " يونس: 19، وقال: " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " آل عمران: 19، وقال: " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم " البقرة: 213.
وقد قضى الله سبحانه إن يوفي الناس أجر ما عملوه وجزاء ما اكتسبوه، وكان مقتضاه أن يحكم بينهم فيما اختلفوا فيه حينما اختلفوا لكنه تعالى قضى قضاء آخر أن يمتعهم في الأرض إلى يوم القيامة ليعمروا به الدنيا ويكتسبوا في دنياهم لأخراهم كما قال:
" ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " البقرة: 36، ومقتضى هذين القضائين أن يؤخر القضاء بين المختلفين في دين الله وكتابه بغيا، إلى يوم القيامة.
فإن قلت فما بال الأمم الماضية أهلكهم الله لظلمهم فهلا أخرهم إلى يوم القيامة لكلمة سبقت منه.
قلت: ليس منشأ إهلاكهم كفرهم ولا معاصيهم وبالجملة مجرد اختلافهم في أمر الدين حتى يعارضه القضاء الاخر ويؤخره إلى يوم القيامة، بل قضاء آخر ثالث يشير إليه قوله سبحانه: " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " يونس: 47.
وبالجملة قوله: " ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم " يشير إلى أن اختلاف الناس في الكتاب ملتقى قضاءين من الله سبحانه يقتضي أحدهما الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويقتضي الآخر أن يمتعهم الله إلى يوم القيامة فلا يجازيهم بأعمالهم، ومقتضى ذلك كله أن يتأخر عذابهم إلى يوم القيامة.
وقوله: " وإنهم لفي شك منه مريب " الإرابة إلقاء الشك في القلب، فتوصيف الشك بالمريب من قبيل قوله: " ظلا ظليلا " و " حجابا مستورا " و " حجرا محجورا "