تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٨
إلى الغايات، وارتفاع الروابط بين المسببات وأسبابها، وأنه إذا قضي للانسان بالجنة تحتم له ذلك سواء عمل أو لم يعمل وسواء عمل صالحا أو اقترف سيئا.
وتوهموا ثانيا أن تلك المقدمات والأسباب نظائر للغايات والمسببات واقعة تحت القضاء مكتوبة محتومة فلا يبقى للاختيار معنى ولا للسعي والاكتساب مجال.
والذي وقع في الأحاديث من سؤالهم كقولهم: " يا رسول الله فعلا م نعمل، على شئ قد فرغ منه أو على شئ لم يفرغ منه؟ " وقولهم: " يا رسول الله فيم يعمل العاملون؟ " وقولهم: " أ لا نتكل؟ " أي أ لا نترك العمل اتكالا على ما كتبه الله كتابة لا تتغير ولا تتبدل؟ كل ذلك يشير إلى التوهم الأول، وكان الذي كانوا يشاهدونه في أنفسهم من صفة الاختيار والاستطاعة صرفهم عن الإشارة إلى ثاني التوهمين وإن كان ناشبا على قلوبهم فإنهما متلازمان.
وقد أجاب صلى الله عليه وآله وسلم عن سؤالهم بقوله: " كل ميسر لما خلق له " وهو مأخوذ من قوله تعالى في صفة خلق الانسان: " ثم السبيل يسره " عبس: 20 أي إن كلا من أهل الجنة الذي خلقه الله لها، ومن أهل النار الذي خلقه الله لها كما قال: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " الأعراف: 179. له غاية في خلقه وقد يسره الله السبيل إلى تلك الغاية وسهل له السلوك منه إليها.
فبين الانسان الذي كتبت له الجنة وبين الجنة سبيل لا مناص من قطعه للوصول إليها، وبينه وبين النار التي كثبت له كذلك، وسبيل الجنة هو الايمان والتقوى، وسبيل النار هو الشرك والمعصية، فالانسان الذي كتب الله له الجنة إنما كتب له الجنة التي سبيلها الايمان والتقوى فلابد من سلوكه، ولم يكتب له الجنة سواء عمل أو لم يعمل وسواء عمل صالحا أو سيئا، وكذلك الذي كتب له النار إنما كتب له النار من طريق الشرك والمعصية لا مطلقا.
ولذلك أعقب صلى الله عليه وسلم قوله: " كل ميسر لما خلق له " - علي عليه السلام - بتلاوة قوله تعالى: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فنيسره للعسري " الليل: 10.
فالمتوقع لاحدى الغايتين من غير طريقه كالطامع في الشبع من غير أكل أو الري من
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست