تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٣
حالته فلا يستحيل ما دام الانسان حيا استحالة سائر أجزائه، وأصل المخلد الذي يبقى مدة طويلة، ومنه قيل: رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب، ودابة مخلدة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها ثم استعير للمبقي دائما.
والخلود في الجنة بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها قال تعالى: " أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ".
وقوله تعالى: " يطوف عليهم ولدان مخلدون " قيل: مبقون بحالتهم لا يعتريهم الفساد، وقيل: مقرطون بخلدة، والخلدة ضرب من القرطة، وإخلاد الشئ جعله مبقى والحكم عليه بكونه مبقى، وعلى هذا قوله سبحانه: " ولكنه أخلد إلى الأرض " أي ركن إليها ظانا إنه يخلد فيها. انتهى.
وقوله: " ما دامت السماوات والأرض " نوع من التقييد يفيد تأكيد الخلود والمعنى دائمين فيها دوام السماوات والأرض لكن الآيات القرآنية ناصة على أن السماوات والأرض لا تدوم دوام الأبد وهي مع ذلك ناصة على بقاء الجنة والنار بقاء لا إلى فناء وزوال.
ومن الآيات الناصة على الأول قوله تعالى: " ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى " الأحقاف: 3، وقوله: " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " الأنبياء: 104، وقوله:
" والسماوات مطويات بيمينه " الزمر: 67، وقوله: " إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا " الواقعة: 6.
ومنها في النص على الثاني قوله تعالى: " جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " التغابن: 9، وقوله: " وأعدلهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا " الأحزاب: 65.
وعلى هذا يشكل الامر في الآيتين من جهتين:
أحدهما تحديد الخلود المؤبد بمدة دوام السماوات والأرض وهما غير مؤبدتين لما مر من الآيات.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست