تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٥
على أن مراده باستثناء المشية إثبات بقاء إطلاق قدرته وأنه مالك الامر لا يخرج زمامه من يده قط.
ويجري في هذه الآية جميع ما تقدم من الأبحاث المشابهة في الآية السابقة إلا ما كان من الوجوه مبنيا على كون المستثنى في قوله: " إلا ما شاء ربك " من دخل النار أولا ثم خرج منها إلى الجنة ثانيا، وذلك أن من الجائز أن يخرج من نار الآخرة بعض من دخله لكن لا يخرج من جنة الآخرة وهي جنة الخلد أحد ممن دخلها جزاء أبدا، وهو كالضروري من الكتاب والسنة، وقد تكاثرت الآيات والروايات في ذلك بحيث لا يرتاب في دلالتها على ذلك ذو ريب، وإن كانت دلالة الكتاب على خروج بعض من في النار منها ليس بذاك الوضوح.
قال في مجمع البيان في وجوب دخول أهل الطاعة الجنة وعدم جواز خروجهم منها:
لاجماع الأمة على أن من استحق الثواب فلا بد أن يدخل الجنة، وأنه لا يخرج منها بعد دخوله فيها. انتهى.
مسألة " وجوب دخول أهل الثواب الجنة " مبنية على قاعدة عقلية مسلمة وهي أن الوفاء بالوعد واجب دون الوفاء بالوعيد لان الذي تعلق به الوعد حق للموعود له، وعدم الوفاء به إضاعة لحق الغير وهو من الظلم، وأما الوعيد فهو جعل حق للموعد على التخلف الذي يوعد به له، وليس من الواجب لصاحب الحق إن يستوفي حقه بل له أن يستوفي وله أن يترك، والله سبحانه وعد عباده المطيعين الجنة بإطاعتهم، وأوعد العاصين النار بعصيانهم فمن الواجب أن يدخل أهل الطاعة الجنة توفية للحق الذي جعله لهم على نفسه، وأما عقاب العاصين فهو حق جعله لنفسه عليهم فله أن يعاقبهم فيستوفي حقه وله أن يتركهم بترك حق نفسه.
وأما مسألة عدم الخروج من الجنة بعد دخولها فهو مما تكاثرت عليه الآيات والروايات، والاجماع الذي ذكره مبني على الذي تسلموه من دلالة الكتاب والسنة أو العقل على ذلك، وليس بحجة مستقلة.
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست