خروج البعض من النار كاف في انتفاض العموم وصحة الاستثناء.
ويبقى الكلام في إيقاع " ما " في قوله " ما شاء " على من يعقل، ولا ضير فيه وإن لم يكن شائعا لوقوعه في كلامه تعالى كقوله: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " النساء: 3.
والكلام في الآية التالية: " وأما الذين سعدوا " الخ، نظير الكلام في هذه الآية لاشتراكهما في السياق غير أن الاستثناء في آية الجنة يعقبه قوله: " عطاء غير مجذوذ " ولازمه أن لا يكون الاستثناء مشيرا إلى تحقق الوقوع فإنه لا يلائم كون الجنة عطاء غير مقطوع بل مشيرا إلى إمكان الوقوع، والمعنى أن أهل الجنة فيها أبدا إلا أن يخرجهم الله منها لكن العطية دائمية وهم غير خارجين والله غير شاء ذلك أبدا.
فيكون الاستثناء مسوقا لاثبات قدرة الله المطلقة وأن قدرة الله سبحانه لا تنقطع عنهم بإدخالهم الجنة الخالدة، وسلطنته لا تنفد، وملكه لا يزول ولا يبطل، وإن الزمان بيده، وقدرته وإحاطته باقية على ما كانت عليه قبل، فله تعالى أن يخرجهم من الجنة وإن وعد لهم البقاء فيها دائما لكنه تعالى لا يخرجهم لمكان وعده، والله لا يخلف الميعاد.
والكلام في الاستثناء الواقع في هذه الآية أعني آية النار نظيره في آية الجنة لوحده السياق بالمقابلة والمحاذاة وإن اختتمت الآية بقوله: " إن ربك فعال لما يريد " وفيه من الإشارة إلى التحقق ما لا يخفى.
فأهل الخلود في النار كأهل الخلود في الجنة لا يخرجون منها أبدا إلا أن يشاء الله سبحانه ذلك لأنه على كل شئ قدير، ولا يوجب فعل من الافعال: إعطاء أو منع، سلب قدرته على خلافه أو خروج الامر من يده لان قدرته مطلقة غير مقيده بتقدير دون تقدير أو بأمر دون أمر قال تعالى: " ويفعل الله ما يشاء " إبراهيم: 27، وقال:
" يمحوا الله ما يشاء ويثبت " الرعد: 39: إلى غير ذلك من الآيات.
ولا منافاة بين هذا الوجه وبين ما ورد في الاخبار من خروج بعض المجرمين منها بمشية الله كما لا يخفى.