تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٩
من غير شرب أو الانتقال من مكان إلى آخر من غير حركة فإنما الدار دار سعي، وحركة لا تنال فيها غاية إلا بسلوك ونقلة، قال تعالى: " وأن ليس للانسان إلا ما سعى وأن سعية يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " النجم، 41.
ولم يهمل صلى الله عليه وسلم الجواب عن ثاني التوهمين حيث عبر بالتيسير فإن التيسير هو التسهيل، ومن المعلوم أن التسهيل إنما يتحقق في مر لا ضرورة تحتمه ولا وجوب يعينه ويسد باب عدمه، ولو كان سبيل الجنة ضروري السلوك حتمي القطع على الاطلاق للانسان الذي كتبت له، كان ثابتا لا يتغير، ولم يكن معنى لتيسره وتسهيل سلوكه له وهو ظاهر.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم، " كل ميسر لما خلق له " يدل على أن لما يؤل إليه أمر الانسان من السعادة والشقاء وجهين وجه ضرورة وقضاء حتم لا يتغير عن سبيل مثله، ووجه إمكان واختيار ميسر للانسان يسلك إليه بالعمل والاكتساب، والدعوة الإلهية إنما تتوجه إليه من الوجه الثاني دون الوجه الأول.
وقد تقدم كلام في الجبر والاختيار في تفسير قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " البقرة: 26 في الجزء الأول من الكتاب.
في الدر المنثور أخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن قتادة، أنه تلا هذه الآية: " فأما الذين شقوا " فقال، حدثنا أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " يخرج قوم من النار " ولا نقول كما قال أهل حروراء.
أقول: وقوله: " ولا نقول كما قال أهل حروراء " هو من كلام قتادة، وأهل حروراء قوم من الخوارج، وهم يقولون بخلود من دخل النار فيها.
وفيه: أخرج ابن مردويه عن جابر قال: قرء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فاما الذين شقوا - إلى قوله - إلا ما شاء ربك " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل.
وفي تفسير البرهان عن الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب الزهد بإسناده عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجهنميين فقال: كان أبو جعفر يقول:
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست