تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٢
قوله: " فأما الذين شقوا " الخ وقوله: " وأما الذين سعدوا " مبدوين بأما التفصيلية مسوقان لتفصيل ما أجمل في قوله: " فمنهم شقي وسعيد " ولازم ذلك كون المراد بالذين شقوا جميع أهل النار لا طائفة منهم خاصة، والمراد بالذين سعدوا جميع أصحاب الجنة لا خصوص من أخرج من النار وأدخل الجنة.
اللهم إلا أن يقال المراد بقوله: " فمنهم شقي وسعيد " أيضا وصف طائفة خاصة بأعيانهم كما أن المراد بالذين شقوا والذين سعدوا طائفة واحدة بأعيانهم. والمعنى أن بعض أهل الجمع شقي وسعيد معا وهم الذين أدخلوا النار واستقروا فيها خالدين ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها ويدخلهم الجنة ويسعدهم بها فيخلدوا فيها ما دامت السماوات والأرض إلا مقدارا من الزمان كانوا فيه أشقياء ساكنين في النار قبل أن يدخلوا الجنة.
لكن ينتقل ما قدمناه من الاشكال حينئذ إلى ما ادعي من معنى قوله: " فمنهم شقي وسعيد " فالسياق الظاهر في وصف أهل الجمع عامة لا يساعد على إرادة طائفة خاصة منهم بقوله: " فمنهم شقي وسعيد " أولا ثم تفصيل حالهم بتفريقهم - وهم جماعة واحدة بعينهم - وإيرادهم في صورة موضوعين اثنين لحكمين مع تحديدين بدوام السماوات والأرض ثم استثنائين ليس المراد بهما إلا واحد وأي فائدة في هذا التفصيل دون أن يورث لبسا في المعنى وتعقيدا في النظم؟.
ويمكن أن يقرر هذا الوجه على وجه التعميم بأن يقال: المراد بقوله: " فمنهم شقي وسعيد " تقسيم عامة أهل الجمع إلى الشقي والسعيد، والمراد بقوله: " الذين شقوا " جميع أهل النار، وبقوله: " الذين سعدوا " جميع أصحاب الجنة، ويكون المراد بالاستثناء في الموضعين استثناء حال الفساق من أهل التوحيد الذين يخرجهم الله تعالى من النار ويدخلهم الجنة، وحينئذ يسلم من جل ما كان يرد على الوجه السابق من الاشكال.
وسابعها: أن التعليق بالمشية إنما هو على سبيل التأكيد للخلود والتبعيد للخروج لان الله سبحانه لا يشاء إلا خلودهم على ما حكم به فكأنه تعليق لما لا يكون بما لا يكون لأنه لا يشاء أن يخرجهم منها.
وهذا الوجه يشارك الوجه الأول في دعوى أن الاستثناء في الموردين غير مسوق
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست