عنه الامكان الذي كان ينسبه إلى الرماد وغيره معا وإلى الانسان وعدمه معا، وصار إنسانا فحسب يمتنع غيره ورمادا يمتنع مع هذه الفعلية غيره.
وبهذا يتضح أنا إذا أخذنا الفعليات ونسبناها إلى عللها الموجبة لها وهكذا نسبنا عللها إلى علل العلل كان العالم بهذه النظرة سلسلة من الفعليات لا يتغير شئ منها عما هو عليه، وبطل الامكانات والاستعدادات والاختيارات جميعا، وإذا نظرنا إلى الأمور من جهة الامكانات والاستعدادات التي تحملها بالنسبة إلى غايات حركاتها لم يخرج شئ من الأشياء المادية من حيز الامكان ومستقر الاختيار.
فللكون وجهان: وجه ضرورة وفعلية يتعين فيه كل جزء من أجزائه من عين أو أثر عين، ولا يقبل أي إبهام وتردد، وأي تغيير وتبديل وهو الوجه الذي تقوم فيه المسببات بأسبابها الموجبة والمعلولات بعللها التامة التي لا تنفك عن مقتضياتها ولا تتخلف معلولاتها عنها ولا تنفع في تغييرها عما هي عليه حيلة، ولا في تبديلها سعي ولا حركة.
ووجه آخر هو وجه الامكان وصورة الاستعداد والقابلية لا يتعين بحسبه شئ إلا بعد الوقوع، ولا يخرج عن الابهام والاجمال إلا بعد التحقق، وعليه يقوم ناموس الاختيار، وبه يتقوم السعي والحركات، ويبتنى العمل والاكتساب، وإليه تركن التعاليم والتربية والخوف والرجاء والأماني والأهواء، وبه تنجح الدعوة والامر والنهي ويصح الثواب والعقاب.
ومن الضروري أن الوجهين لا يتدافعان في الوجود ولا يبطل أحدهما الآخر فللفعلية ظرفها وللامكان والاستعداد ظرفه كما لا يدفع إبهام الحادثة الفلانية تعينها بعد التحقق، ولا تعينها بعده إبهامها قبله.
والوجه الأول هو وجه القضاء الإلهي، ولا يبطل تعيين الحوادث بحسبه عدم تعينها بحسب ظرف الدعوة والعمل والاكتساب، وسنستوفي البحث في ذلك عند ما نضع الكلام في القضاء والقدر فيما يناسبه من الموضع إن شاء الله تعالى.
ولنرجع إلى الأحاديث:
التأمل في سياقها يعطي أنهم فهموا من كتابة السعادة والشقاوة والجنة والنار وجريان القلم بذلك، الضرورة والوجوب، وتوهموا من ذلك أولا لزوم بطلان المقدمات الموصلة