الداع إذا دعان " البقرة: 186 وقال: " ادعوني استجب لكم " المؤمن: 60 فأطلق ولم يشترط في الاستجابة الا ان تتحقق هناك حقيقة الدعاء وان يتعلق ذلك الدعاء به تعالى لا غير.
فلفظة دعوة الحق من إضافة الموصوف إلى الصفة أو من الإضافة الحقيقية بعناية ان الحق والباطل كأنهما يقتسمان الدعاء فقسم منه للحق وهو الذي لا يتخلف عن الاستجابة وقسم منه للباطل وهو الذي لا يهتدى إلى هدف الإجابة كدعاء من لا يسمع أو لا يقدر على الاستجابة فهو تعالى لما ذكر في الآيات السابقة انه عليم بكل شئ وان له القدرة العجيبة ذكر في هذه الآية ان له حقيقة الدعاء والاستجابة فهو مجيب الدعاء كما أنه عليم قدير وقد ذكر ذلك في الآية بطريقي الاثبات والنفي أعني اثبات حق الدعاء لنفسه ونفيه عن غيره.
اما الأول فقوله له دعوة الحق وتقديم الظرف يفيد الحصر ويؤيده ما بعده من نفيه عن غيره واما الثاني فقوله: " والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ " الا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه " وقد أخبر فيه ان الذين يدعوهم المشركون من دون الله لا يستجيبون لهم بشئ وقد بين ذلك في مواضع من كلامه فان هؤلاء المدعوين اما أصنام يدعوهم عامتهم وهى أجسام ميتة لا شعور فيها ولا إرادة واما أرباب الأصنام من الملائكة أو الجن وروحانيات الكواكب والبشر كما ربما يتنبه له خاصتهم فهم لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فكيف بغيرهم ولله الملك كله وله القوة كلها فلا مطمع عند غيره تعالى.
ثم استثنى من عموم نفى الاستجابة صورة واحدة فقط وهى ما يشبه مورد المثل المضروب بقوله كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.
فان الانسان العطشان إذا أراد شرب الماء كان عليه ان يدنو من الماء ثم يبسط كفيه فيغترفه ويتناوله ويبلغ فاه ويرويه وهذا هو حق الطلب يبلغ بصاحبه بغيته في هدى ورشاد واما الظمآن البعيد من الماء يريد الري لكن لا يأتي من أسبابه بشئ غير أنه يبسط إليه كفيه يبلغ فاه فليس يبلغ البتة فاه وليس له من طلبه الا صورته فقط.
ومثل من يدعو غير الله سبحانه مثل هذا الباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وليس له