تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٢٣
وليس ذلك قولا شعريا وتصويرا تخييليا يتوسل به في الدعوة الحقة في كلامه تعالى وحاشاه وقد نص انه ليس بشعر بل الحقائق المتعالية عن الأوهام الثابتة عند العقل السليم البعيدة بطباعها عن الحس إذا صادفت موارد أمكن ان يظهر فيها للحس نوع ظهور ويتمثل لها بوجه كان من الحري ان يستمد به في تعليم الافهام الساذجة والعقول البسيطة ونقلها من مرتبة الحس والخيال إلى مرحلة العقل السليم المدرك للحقائق من المعارف فإنه من الحس والخيال الحق المستظهر بالحقائق المؤيد بالحق فلا بأس بالركون إليه.
ومن هذا الباب عده تعالى ما يشاهد من الضلال المتفيئة من الأجسام المنتصبة بالغدو والاصال ساجدة لله سبحانه لما فيها من السقوط على الأرض كخرور السجود من أولى العقل.
ومن هذا الباب أيضا ما تقدم من قوله ويسبح الرعد بحمده حيث اطلق التسبيح على صوت الرعد الهائل الذي يمثل لسانا ناطقا بتنزيهه تعالى عن مشابهة المخلوقين والثناء عليه لرحمته المبشر به بالريح والسحاب والبرق مع أن الأشياء قاطبة مسبحة بحمده بوجوداتها القائمة به تعالى المعتمدة عليه وهذا تسبيح ذاتي منهم ودلالته دلالة ذاتية عقلية غير مرتبطة بالدلالات اللفظية التي توجد في الأصوات بحسب الوضع والاعتبار لكن الرعد بصوته الشديد الهائل يمثل للسمع والخيال هذا التسبيح الذاتي فذكره الله سبحانه بما له من الشأن لينتقل به الأذهان البسيطة إلى معنى التسبيح الذاتي الذي يقوم بذات كل شئ من غير صوت قارع ولا لفظ موضوع.
ويقرب من هذا الباب ما تقدم في مفتتح السورة في قوله تعالى: " رفع السماوات بغير عمد ترونها " وقوله: " وفى الأرض قطع متجاورات " الآية ان التمسك في مقام الاحتجاج عليه تعالى بالأمور المجهول أسبابها عند الحس ليس لان سببيته تعالى مقصورة على هذا النوع من الموجودات والأمور المعلومة الأسباب في غنى عنه تعالى فان القرآن الكريم ينص على عموم قانون السببية وانه تعالى فوق الجميع بل لان الأمور التي لا تظهر أسبابها على الحس لبادئ نظرة تنبه الافهام البسيطة وتمثل لها الحاجة إلى سبب أحسن تمثيل فتنتزع إلى البحث عن أسبابها وينتهى البحث لا محالة إلى سبب أول هو الله سبحانه وفي القرآن الكريم من ذلك شئ كثير.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست