: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى " الخ والآية وما يتلوها كالتذييل للآية السابقة " ان الله يعلم بكل شئ " ويقدر على كل شئ ويجيب الدعوة ويخضع له كل شئ فهو أحق بالربوبية فإليه أمر الآيات لا إليك وانما أنت منذر.
قوله تعالى " عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال الغيب والشهادة " كما سمعت مرارا معنيان إضافيان فالشئ الواحد يمكن ان يكون غيبا بالنسبة إلى شئ وشهادة بالنسبة إلى آخر وذلك أن الأشياء كما تقدم لا تخلو من حدود تلزمها ولا تنفك عنها فما كان من الأشياء داخلا في حد الشئ غير خارج عنه فهو شهادة بالنسبة إليه مشهود لادراكه وما كان خارجا عن حد الشئ غير داخل فيه فهو غيب بالنسبة إليه غير مشهود لادراكه.
ومن هنا يظهر ان الغيب لا يعلم به الا الله سبحانه اما انه لا يصير معلوما لشئ فلان العلم نوع إحاطة ولا معنى لاحاطة الشئ بما هو خارج عن حد وجوده أجنبي عن احاطته واما انه تعالى يعلم الغيب فلانه تعالى غير محدود الوجود بحد وهو بكل شئ محيط فلا يمتنع شئ عنه بحده فلا يكون غيبا بالنسبة إليه وان فرض انه غيب بالنسبة إلى غيره.
فيرجع معنى علمه بالغيب والشهادة بالحقيقة إلى أنه لا غيب بالنسبة إليه بل الغيب والشهادة اللذان يتحققان فيما بين الأشياء بقياس بعضها إلى بعض هما معا شهادتان بالنسبة إليه تعالى ويصير معنى قوله عالم الغيب والشهادة ان الذي يمكن ان يعلم به أرباب العلم وهو الذي لا يخرج عن حد وجودهم والذي لا يمكن ان يعلموا به لكونه غيبا خارجا عن حد وجودهم هما معا معلومان مشهودان له تعالى لاحاطته بكل شئ.
وقوله الكبير المتعال اسمان من أسمائه تعالى الحسنى والكبر ويقابله الصغر من المعاني المتضائفة فان الأجسام إذا قيس بعضها إلى بعض من حيث حجمها المتفاوت فما احتوى على مثل حجم الاخر وزيادة كان كبيرا وما لم يكن كذلك كان صغيرا ثم توسعوا فاعتبروا ذلك في غير الأجسام والذي يناسب ساحة قدسه تعالى من معنى الكبرياء انه تعالى يملك كل كمال لشئ ويحيط به فهو تعالى كبير أي له كمال كل ذي كمال وزيادة.