ومما تقدم يظهر فساد قول بعضهم ان المراد بالسجدة هو الحقيقي منها يعنى الخرور على الأرض بوضع الجبهة عليها مثلا فهم جميعا ساجدون غير أن المؤمن يسجد طوعا والكافر يسجد خوفا من السيف وقد نسب القول به إلى الحسن.
وكذا قول بعض ان المراد بالسجود الخضوع فله يخضع الكل الا ان ذلك من المؤمن خضوع طوع ومن الكافر خضوع كره لما يحل به من الآلام والاسقام ونسب إلى الجبائي.
وكذا قول آخرين ان المراد بالآية خضوع جميع ما في السماوات والأرض من أولى العقل وغيرهم والتعبير بلفظ يخص أولى العقل للتغليب.
واما قوله " وظلالهم بالغدو والاصال " ففيه الحاق اظلال الأجسام الكثيفة بها في السجود فان الظل وان كان عدميا من حجب الجسم بكثافته عن نفوذ النور الا ان له آثارا خارجية وهو يزيد وينقص في طرفي النهار ويختلف اختلافا ظاهرا للحس فله نحو من الوجود ذو آثاره يخضع في وجوده وآثاره لله ويسجد له.
وهى تسجد لله سبحانه سجدة طوع في جميع الأحيان وانما خص الغدو والاصال بالذكر لا لما قيل إن المراد بهما الدوام لأنه يذكر مثل ذلك للتأبيد إذ لو أريد سجودها الدائم لكان الأنسب به ان يقال بأطراف النهار حتى يعم جميع ما قبل الظهر وما بعده كما وقع في قوله: " ومن آناء الليل فسبح واطراف النهار لعلك ترضى " طه: 130.
بل النكتة فيه والله أعلم ان الزيادة والنقيصة دائمتان للاضلال في الغداة والأصيل فيمثلان للحس السقوط على الأرض وذلة السجود واما وقت الظهيرة وأوساط النهار فربما انعدمت الاضلال فيها أو نقصت وكانت كالساكنة لا يظهر معنى السجدة منها ذلك الظهور.
ولا شك في أن سقوط الاضلال على الأرض وتمثيلها لخرور السجود منظور إليه في نسبة السجود إلى الاظلال في تفيؤها وليس النظر مقصورا على مجرد طاعتها التكوينية في جميع أحوالها وآثارها والدليل على ذلك قوله: " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " النحل: 48 فان العناية بذلك ظاهرة فيه