قوله تعالى: " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال " السجود الخرور على الأرض بوضع الجبهة أو الذقن عليها قال تعالى: " وخروا له سجدا " يوسف: 100 وقال: " يخرون للأذقان سجدا " اسرى: 107 والواحدة منه سجدة.
والكره ما يأتي به الانسان من الفعل بمشقة فان حمل عليه من خارج فهو الكره بفتح الكاف وما حمل عليه من داخل نفسه فهو الكره بضمها والطوع يقابل الكره مطلقا.
وقال الراغب الغدوة والغداة من أول النهار وقوبل في القرآن الغدو بالآصال نحو قوله: " وبالغدو والاصال " وقوبل الغداة بالعشى قال بالغداة والعشي انتهى والغدو جمع غداة كقنى وقناة وقال في المجمع الآصال جمع أصل بضمتين واصل جمع أصيل فهو جمع الجمع مأخوذ من الأصل فكأنه أصل الليل الذي ينشأ منه وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس انتهى.
والأعمال الاجتماعية التي يؤتى بها لأغراض معنوية كالتصدر الذي يمثل به الرئاسة والتقدم الذي يمثل به السيادة والركوع الذي يظهر به الصغر والصغار والسجود الذي يظهر به نهاية تذلل الساجد وضعته قبال تعزز المسجود له واعتلائه تسمى غاياتها بأساميها كما تسمى نفسها فكما يسمى التقدم تقدما كذلك تسمى السيادة تقدما وكما أن الانحناء الخاص ركوع كذلك الصغر والصغار الخاص ركوع وكما أن الخرور على الأرض سجود كذلك التذلل سجود كل ذلك بعناية ان الغاية من العمل هي المطلوبة بالحقيقة دون ظاهر هيئة العمل.
وهذه النظرة هي التي يعتبرها القرآن الكريم في نسبة السجود وما يناظره من القنوت والتسبيح والحمد والسؤال ونحو ذلك إلى الأشياء كقوله تعالى: " كل له قانتون " البقرة: 116 وقوله: " وان من شئ الا يسبح بحمده " اسرى: 44 وقوله: " يسأله من في السماوات والأرض " الرحمان: 29 وقوله: " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض " النحل: 49.
والفرق بين هذه الأمور المنسوبة إلى الأشياء الكونية وبينها وهى واقعة في ظرف الاجتماع الانساني ان الغايات موجودة في القسم الأول بحقيقة معناها بخلاف القسم الثاني