تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٢١
فإنها انما توجد فيها بنوع من الوضع والاعتبار فذلة المكونات وضعتها تجاه ساحة العظمة والكبرياء ذلة وضعة حقيقية بخلاف الخرور على الأرض ووضع الجبهة عليها فإنه ذلة وضعة بحسب الوضع والاعتبار ولذلك ربما يتخلف.
فقوله تعالى: " ولله يسجد من في السماوات والأرض " اخذ بما تقدم من النظر ولعله انما خص أولى العقل بالذكر حيث قال من في السماوات والأرض مع شمول هذه الذلة والضعة جميع الموجودات كما في آية النحل المتقدمة وكما يشعر به ذيل الآية حيث قال " وظلالهم " الخ لان الكلام في السورة مع المشركين والاحتجاج عليهم فكان في ذلك بعثا لهم ان يسجدوا لله طوعا كما يسجد له من دونهم من عقلاء السماوات والأرض طوعا حتى أن ظلالهم تسجد له ولذلك أيضا تعلقت العناية بذكر سجود الظلال ليكون آكد في استنهاضهم فافهمه.
ثم إن هذا التذلل والتواضع الذي هو من عامة الموجودات لساحة ربهم عز وعلا خضوع ذاتي لا ينفك عنها ولا يتخلف فهو بالطوع البتة وكيف لا وليس لها من نفسها شئ حتى يتوهم لها كراهة أو امتناع وجموح وقد قال تعالى: " فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين " حم السجدة: 11.
فالعناية المذكورة توجب الطوع لجميع الموجودات في سجودهم لله تعالى وتقطع دابر الكره عنهم البتة غير أن هناك عناية أخرى ربما صححت نسبة الكره إلى بعضها في الجملة وهى ان بعض هذه الأشياء واقعة في مجتمع التزاحم مجهزة بطباع ربما عاقتها عن البلوغ إلى غاياتها ومبتغياتها أسباب اخر وهى الأشياء المستقرة في عالمنا هذا عالم المادة التي ربما زوحمت في مأربها ومنعتها عن البلوغ إلى مقتضيات طباعها موانع متفرقة ولا شك ان مخالف الطبع مكروه كما أن ما يلائمه مطلوب.
فهذه الأشياء ساجدة لله خاضعة لامره في جميع الشؤون الراجعة إليها غير أنها فيما يخالف طباعها كالموت والفساد وبطلان الآثار والآفات والعاهات ونحو ذلك ساجدة له كرها وفيما يلائم طباعها كالحياة والبقاء والبلوغ إلى الغايات والظفر بالكمال ساجدة له طوعا كالملائكة الكرام الذين لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»
الفهرست