تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣١٧
والمعنى هو الذي يظهر لعيونكم البرق ليظهر فيكم صفتا الخوف والطمع كما أن المسافر يخافه والحاضر يطمع فيه وأهل البحر يخافونه وأهل البر يطمعون فيه ويخاف صاعقته ويطمع في غيثه ويخلق بانشائه السحابات التي تثقل بالمياه التي تحملها وفي ذكر آية البرق بالإراءة وآية السحاب بالانشاء لطف ظاهر.
قوله تعالى: " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " الخ الصواعق جمع صاعقة وهو القطعة النارية النازلة من السماء عن برق ورعد والجدل المفاوضة والمنازعة في القول على سبيل المغالبة واصله من جدلت الحبل إذا احكمت فتله والمحال بكسر الميم مصدر ماحله يماحله إذا ماكره وقاواه ليتبين أيهما أشد وجادله لاظهار مساويه ومعائبه فقوله:
" وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال " معناه والله أعلم ان الوثنيين واليهم وجه الكلام في القاء هذه الحجج يجادلون في ربوبيته تعالى بتلفيق الحجة على ربوبية أربابهم كالتمسك بدأب آبائهم والله سبحانه شديد المماحلة لأنه عليم بمساويهم ومعائبهم قدير على اظهارها وفضاحتهم.
قوله تعالى: " له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ " إلى آخر الآية الدعاء والدعوة توجيه نظر المدعو إلى الداعي ويتأتى غالبا بلفظ أو إشارة والاستجابة والاجابة اقبال المدعو على الداعي عن دعائه واما اشتمال الدعاء على سؤال الحاجة واشتمال الاستجابة على قضائها فذلك غاية متممة لمعنى الدعاء والاستجابة غير داخلة في مفهوميهما.
نعم الدعاء انما يكون دعاء حقيقة إذا كان المدعو ذا نظر يمكن ان يوجه إلى الداعي وذا جدة وقدرة يمكنه بهما استجابة الدعاء واما دعاء من لا يفقه أو يفقه ولا يملك ما ترفع به الحاجة فليس بحق الدعاء وان كان في صورته.
ولما كانت الآية الكريمة قرر فيها التقابل بين قوله له دعوة الحق وبين قوله " والذين يدعون من دونه " الخ الذي يذكر ان دعاء غيره خال عن الاستجابة ثم يصف دعاء الكافرين بأنه في ضلال علمنا بذلك ان المراد بقوله دعوة الحق الدعوة الحقة غير الباطلة وهى الدعوة التي يسمعها المدعو ثم يستجيبها البتة وهذا من صفاته تعالى وتقدس فإنه سميع الدعاء قريب مجيب وهو الغنى ذو الرحمة وقد قال: " أجيب دعوة
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست