تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣١١
ومن الممكن ان يستفاد من الآية العموم وهو ان بين حالات الانسان النفسية وبين الأوضاع الخارجية نوع تلازم سواء كان ذلك في جانب الخير أو الشر فلو كان القوم على الايمان والطاعة وشكر النعمة عمهم الله بنعمه الظاهرة والباطنة ودام ذلك عليهم حتى يغيروا فيكفروا ويفسقوا فيغير الله نعمه نقما ودام ذلك عليهم حتى يغيروا فيؤمنوا ويطيعوا ويشكروا فيغير الله نقمه نعما وهكذا هذا.
ولكن ظاهر السياق لا يساعد عليه وخاصة ما تعقبه من قوله: " وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له " فأنه أصدق شاهد على أنه يصف معنى تغييره تعالى ما بقوم حتى يغيروا فالتغيير لما كان إلى السيئة كان الأصل أعني ما بقوم لا يراد به الا الحسنة فافهم ذلك.
على أن الله سبحانه يقول: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " الشورى: 30 فيذكر انه يعفو عن كثير من السيئات فيمحو آثارها فلا ملازمة بين اعمال الانسان وأحواله وبين الآثار الخارجية في جانب الشر بخلاف ما في جانب الخير كما قال تعالى في نظير الآية: " ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الأنفال: 53.
واما قوله تعالى: " وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له " فإنما دخل في الحديث لا بالقصد الأولى لكنه تعالى لما ذكر ان كل شئ عنده بمقدار وان لكل انسان معقبات يحفظونه بأمره من امره ولا يدعونه يهلك أو يتغير أو يضطرب في وجوده والنعم التي اوتيها وهم على حالهم من الله لا يغيرها عليهم حتى يغيروا ما بأنفسهم وجب ان يذكر ان هذا التغيير من السعادة إلى الشقاء ومن النعمة إلى النقمة أيضا من الأمور المحكمة المحتومة التي ليس لمانع ان يمنع من تحققها وانما امره إلى الله لا حظ فيه لغيره وبذلك يتم ان الناس لا مناص لهم من حكم الله في جانبي الخير والشر وهم مأخوذ عليهم وفى قبضته.
فالمعنى: وإذا أراد الله بقوم سوء ولا يريد ذلك الا إذا غيروا ما بأنفسهم من سمات معبودية ومقتضيات الفطرة فلا مرد لذلك السوء من شقاء أو نقمة أو نكال ثم قوله: " وما لهم من دونه من وال " عطف تفسيري على قوله: " إذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له " ويفيد معنى التعليل له فإنه إذا لم يكن لهم من وال يلي أمرهم
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»
الفهرست