تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣١٠
يتصرف فيه الا هو سبحانه فهو الذي يهدى إليه التعليم القرآني والآيات في هذه المعاني متكاثرة لا حاجة إلى ايرادها.
والملائكة أيضا انما يعملون ما يعملون بأمره قال تعالى: " ينزل الملائكة بالروح من امره " النحل: 2 وقال: " لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء: 27.
ومن هنا يظهر ان هذه المعقبات الحفاظ كما يحفظون ما يحفظون بأمر الله كذلك يحفظونه من أمر الله فان جانب الفناء والهلاك والضيعة والفساد بأمر الله كما أن جانب البقاء والاستقامة والصحة بأمر الله فلا يدوم مركب جسماني الا بأمر الله كما لا ينحل تركيبه الا بأمر الله ولا تثبت حالة روحية أو عمل أو اثر عمل الا بأمر من الله كما لا يطرقه الحبط ولا يطرء عليه الزوال الا بأمر من الله فالامر كله لله واليه يرجع الامر كله.
وعلى هذا فهذه المعقبات كما يحفظونه بأمر الله كذلك يحفظونه من أمر الله وعلى هذا ينبغي ان ينزل قوله في الآية المبحوث عنها يحفظونه من أمر الله.
وبما تقدم يظهر وجه اتصال قوله تعالى: " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وانه في موضع التعليل لقوله يحفظونه من أمر الله " والمعنى انه تعالى انما جعل هذه المعقبات ووكلها بالانسان يحفظونه بأمره من امره ويمنعونه من أن يهلك أو يتغير في شئ مما هو عليه لان سنته جرت ان لا يغير ما بقوم من الأحوال حتى يغيروا ما بأنفسهم من الحالات الروحية كأن يغيروا الشكر إلى الكفر والطاعة إلى المعصية والايمان إلى الشرك فيغير الله النعمة إلى النقمة والهداية إلى الاضلال والسعادة إلى الشقاء وهكذا.
والآية أعني قوله " ان الله لا يغير " الخ يدل بالجملة على أن الله قضى قضاء حتم بنوع من التلازم بين النعم الموهوبة من عنده للانسان وبين الحالات النفسية الراجعة إلى الانسان الجارية على استقامة الفطرة فلو جرى قوم على استقامة الفطرة وآمنوا بالله وعملوا صالحا أعقبهم نعم الدنيا والآخرة كما قال: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا " الأعراف: 96 والحال ثابتة فيهم دائمة عليهم ما داموا على حالهم في أنفسهم فإذا غيروا حالهم في أنفسهم غير الله سبحانه حالهم الخارجية بتغيير النعم نقما.
(٣١٠)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)، الضلال (1)، الشكر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست